- نبيل الشرعبي
فـ ملامحه وسُحنته وبحة صوته، وتضاريس البؤس على وجنتيه، كل ذلك يؤكد إنه يمني بـ إمتياز..
الرحمة والخلود والسلام لروحه التي غادرتنا نحو خالقها..
كل ما أحفظه عنه: ملامحه الشاردة، وروحه الصابرة.. والاسم الأول والثاني من هويته الشخصية: عبده صالح..
مرات قليلة تقاسمنا الطعام معنا، على رصيف شارع الدائري بالعاصمة صنعاء.. ومضى كلٍ منّا يبحث عن ملاذ يعصمه من جحيم التشرد والضياع..
كان يشتكي من داء في معدته، ظل يلازمه لسنوات، رغم انفاقه غالبية مما امتلكه على الأطباء بُغية التشافي منه.
إلى ما قبل غرق اليمن في أُتون الحرب، كان مقاول له حضوره.. جاءت الحرب وفقد كل شيء.
أدار بصيرته في الأفق، ولم يجد ما يصون به كرامته غير العمل في جمع مخلفات البلاستيك..
بوقار عمل في جمع مخلفات البلاستيك، وبصبر كثير جمع ما تيسر من نقود.. بعد أشهر قاسية استطاع أن يشري ويبيع مخلفات البلاستيك بما يكفي لسد حاجته ودفع إيجار الدكان الذي كان يتخذ منه مسكن ومخزن للبلاستيك..
في الــ 6 من شهر يوليو الجاري لعام 2021، أوغل داء المعدة في النيل منه أكثر.. تهاوى ما تبقى من صحته.. عاش 5 أيام مكتظة بالتعب والذبول.. في اليوم السادس كان قد صار مجرد ظِل بالكاد يتقلب على جنبيه فوق كومات مخلفات البلاستيك..
متتصف اليوم السادس، نُقل إلى أحد مشافي العاصمة صنعاء.. عاش يوم ونصف يوم.. جسمه لم يعد يتقبل العلاجات.. نهاية مساء اليوم السابع، وبخطىء متثاقلة مشت الطبيبة التي كانت تشرف على حالته، مشت لعدة أمتار لتتوقف أمام صديق له، حاولت التحدث.. مسحت دمعات بللت وجنتيها.. أدارت ظهرها وبغصة قالت: رحمة الله تغشاه.. وعظم الله أجرك.. وغادرت.
خارت قوى الصديق وبصوت متحشرج ردد: رحمك الله يا عبده صالح..
غُسل جسده المنهك، وجُهز بالثوب الأبيض.. وعلى جانبيه في التابوت وُضعت أغصان ريحان.. نم قرير العين يا صديقي.. واعذرني..
رحل عبده صالح، لروحه السلام والرحمة، ولم أجد سبب لأسأله من أين أنت.. من أي اليمن…؟..
كم نحن بؤساء بني البشر، نموت غرباء.. حتى الأرواح التي تآلفت معنا، لم تستطع أن تحفظ سوى أننا غرباء، ننتمي إلى أرضنا التي لا يعرفها أحد سوانا..