- حسن الدولة
لا يوجد إجماع بين كل المذاهب الإسلامية في مسألة واحدة مثل إجماعهم على أنهم كذبوا على الرسول عليه افضل الصلاة والسلام .
وقد أنبأ الله نبينا الكريم في محكم التنزيل فقال “وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين” وقال أعز من قائل أيضا “أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب.. ” وقال انه “تبيانا لكل شيء ” وقال سبحانه أيضا “فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون “.
وقد روي ان عمر رضي الله عنه قال: ” لقد سمعت رسول الله يقول: “لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن ومن كتب عني شيئاً فليمحه”‘وقال الامام علي كرم الله وجهه حين ابلغ من احدهم انه سمع فلانا يحدث في الجامع فقال : أوعملوها أما والله أني سمعت رسول الله يقول انه سيكذب علي فقلت له فما المخرج يا رسول الله فقال كتاب الله ففيه نبأ من كان قبلكم ومن بعدكم.. الخ .
ولكن كل مذهب يبقي على ما يؤيد مذهبه من الروايات وينكر ما لدى الأخر ، وهذه الإشكالية التي خلقت التطرف ، فالعلماء في العصر العباسي كانوا يحكومون على من يحفظ الحديث دون أن يكون فقيها أو العكس يحد الإفتراء ..
وحديث العرض على كتاب الله فيه مخرج لتنقية العنعنات والقلقلات ، عملا بقوله تعالى “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هداهم الله والئك هم اولوا الباب” ،فما كان فيه ما يطور حياتنا وبحيينا حياة افضل أخذنا به ، ومن المعلوم ان السنة جامعة لا مفرقة ، ولذالك امرنا الله سبحانه أن لا نستيجيب إلا لله وللرسول إذا كان في دعوته تحسين لأوضاعنا الفكرية والمعيشية فقال اعز من قائل: “استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم “
وقد وضع الشيخ الأستاذ الإمام محمد عبده رضوان الله عليه قاعدة ذهبية قال فيها إذا ارادت الأمة أن تعرف هداها من ضلالها فعليها ان تضع ما في ادمغتها في كفة ميزان وكتاب الله في الأخرى حتى لا يختلط الميزان بالموزون به بحيث يكون كتاب اللّه حاكما للنص الثاني لا محكوما به !.
ومن المعلوم ان بعضهم صرح بانه لما كذب على الرسول اضطر للكذب له !!
وقد نجم عن ذلك وجود هذا الكم من المرويات عند السنة والشيعة، كما ان فقهاء المسلمين انقسموا إلى مدرستين ” مدرسة الرواية ومدرسة الدراية او مدرة النقل ومدرسة العقل .. وقد تراجعت مدرسة الدراية وسادت مدرسة الرواية التي اضحت اليوم الأكثر إنتشارا واغلبهم ضمن الجماعات المؤدلجة والاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ويعيشون في حال من الغياب عن الظرف والواقع المعاش، إذ يكتفون بمحيطهم الضيق المصمت؛ باعتبار مجموعتهم الدينية هي العالم وهي الحقيقية، وما عداها فلا يرى إلا من خلال التعالي والازدراء، إذ يشعر فرد تلك المجموعات العقائدية أنه بين عالمين متباينين، عالمه الآيديولوجي المحمل بالرسوخيات والإيمانات الاكتفائية التي لا يبدل القول لديها بحسبهم، وعالمه الاجتماعي الكبير الذي يرى أنه يدور في فلك الضلال والجاهلية، ومهما انخرط في حوار مع أحد هذا العالم فإنه سيتعاطى لغة تؤكد وتبرهن عمق تشبثه بموجداته الذهنية، مهما بدت هشة أمام الآخر عن عالمه.
ثقافتنا بحاجة إلى اختراق أنفاق التطرف وتجريفها، وتوعية المجتمع بحجم ونوعية الأفكار التي تسري في اللاوعي الاجتماعي بوصفها الدين والدعوة إلى الله.
نعم أقول تجريفها بشقيها السني والشيعي ، وذلك ليس بالسلاح ، والملاحقة ، بل بالحوار الديني الديني الذي يتولاه علماء ، يتعاملون مع هذه الجماعات بإعتبارهم صادقين فيما يؤمنون به ، ويعتقدون صحته ، فالفارق بينهم وبين علماء المذاهب أن العلماء يؤمنون بصحة تلك المرويات والسير والمغازي ولا يعملون بها ، بينما هؤلاء الشباب المدجنون المؤدلجون يؤمنون بنسبتها إلى الرسول ويعملون بها باعتبارها هي الدين ومن خلالها قسموا العالم إلى فسطاطين – فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان – وهو عين تقسيم فقهاء المذاهب الذين قسموا العالم إلى دار كفر ودار إيمان ، او دار الاسلام ودار الكفر ..وهي تقسيمات لا تستطيع الصمود أمام القرآن إذا ما جردناه من السير والمغازي والتفاسير والتي قال عنها امام الحديث احمد بن حنبل بان لا اصل لها ، واخطر ثلمة جعلت المسلمين يقذفون بجواهر آيات المصحف الشريف كالذي قيل له أن داخل سلة جواهر وبعر
لكنه لا يعلم مواصفات الجواهر فيقذف بالجوهرة وفي حسبانه انها بعرة ويتمسك بالبعرة وفي حسبانه انها جوهرة وذلك من خلال الافراط في روايات الناسخ والننسوخ. والتنقية امر لا يتم بجهود فردية بل بتعاون الجامعات والعلماء والتسلح بعلم الدراية لا باستخدام القوة بل بالحجة والمنطق والبرهان.. حتى يتم تنقية التراث مما علق به من شوائب تحت ذرائع شرع من قبلنا شرع لنا ، ووتلك الواية التي تنسب إلى الرسول عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام “حدثو عن أهل الكتاب ولا حرج وعني ولو بآية “.
كما التنقية لا يكتب لها النجاح إلا إذا ما تمكنت الأمة من خلق مناخ يفوح في أرجائه نسمات الحرية ، وبالتالي فأن من نظنهم اليوم متطرفين هم من سيعيد للإسلام نقائه وصفائه لأنهم في ظني صادقون فيما يعتقدون ويحتاجون للتوجيه والتوعيه بمقاصد الشرع وغاياته وان عليهم ان يقتدوا بالرسول الذي لو كان فضا غليظ القول لانفض الصحابه من حوله لان الله ارسله رحمة للعالمين وان ما على الرسول إلا البلاغ فليس بمسيطر ولا بوكيل ولابجبار.
والله من وراء القصد