- كتب: محمد ناجي أحمد
يرى كارل ماركس -في سياق تناوله لاغتراب الإنسان عن عمله- أن الدولة تنشأ على إرادة الإنسان لا على إرادة آلهته الوثنية التي يخترعها ثم يقهر الناس من خلالها.
يصنع الإنسان آلهته(أوثانه) ثم يتراكم تاريخ اغترابه عنها!
ففي (مخطوطات كارل ماركس لعام 1844) ترجمة محمد مستجير مصطفى ، والصادرة عن دار الثقافة الجديدة- يماثل ماركس بين اغتراب الإنسان تجاه ما يضعه للآلهة وبين العامل الذي يضع حياته في الموضوع ” فكلما زاد ما يضعه الإنسان في الله قل ما يحتفظ به في نفسه. إن العامل يضع حياته في الموضوع ، لكن حياته الآن لم تعد تنتمي له وإنما للموضوع .ومن هنا فكلما زاد نشاط العامل ، زاد افتقاره إلى الموضوعات. وأيا كان ناتج عمله ، فإنه هو لا يوجد. ومن هنا فكلما زاد هذا الإنتاج أصبح هو أقل. ولا يعني اغتراب العامل في ناتجه أن عمله قد أصبح موضوعا -وجودا خارجيا فحسب، وإنما يعني أنه يوجد خارجه، مستقلا عنه كشيء غريب عنه، وأنه يصبح قوة في ذاته تواجهه، إنه يعني أن الحياة التي منحها للموضوع تواجهه كأمر معاد غريب”ص69-مخطوطات كارل ماركس لعام 1844.
اهتمام ماركس ونقده للدين كان من زاوية الاستلاب والاغتراب ، فما يضعه الإنسان في الله يماثل ما يضعه من عمله وامتلاك رب العمل للعمل. واغتراب وسلب العمل لما أنتجه. وهنا تتماثل الأرباب في امتلاك حرية الإنسان، واغتراب الإنسان عن ما أنتجه…
يتناول كارل ماركس في مخطوطات 1844 مفهوم الملكية الخاصة الكلية، أي ما عُرف فيما بعد في الاتحاد السوفيتي والصين برأسمالية الدولة ، وكيف تقتل الموهبة الفردية، حيث يتحول الجميع إلى عمال بدلا من إلغاء العمل المغترب كنشاط إنتاجي وكمنتج وكعامل، وكذلك يتناول مشاعية النساء كتعبير عن الشكل الحيواني ، ويصفه بالبغاء العام ، وللمرأة في اتخاذها مشاعا للجميع وللعامل، على أساس أن مصطلح البغاء يشمل البغي ومن يعشرها، كانحطاط للرأسمالية بما هي تجسيد للبغاء العام في مجونها وفي تشييئها للعامل والعمل :
“إن مقولة العامل لا تلغى ، وإنما هي تتوسع لتشمل كل الناس. وتستمر علاقة الملكية الخاصة باعتبارها علاقة الجماعة بعالم الأشياء ، وأخيرا فإن حركة المقابلة بين الملكية الخاصة الكلية وبين الملكية الخاصة تجد تعبيرا عنها في الشكل الحيواني لمقابلة الزواج (وهو بالتأكيد شكل للملكية الخاصة الاستئثارية ) بمشاعية النساء، التي تصبح المرأة فيها جزءا من الملكية الجماعية المشتركة . ويمكن أن نقول إن فكرة مشاعية النساء هذه تكشف عن سر هذه الشيوعية التي لا تزال فجة تماما وبلا تفكير .فتماما كما تنتقل المرأة من الزواج إلى البغاء العام فإن كل عالم الثروة(أي جوهر الإنسان الموضوعي)ينتقل من علاقة الزوج المستأثرة بمالك الملكية الخاصة إلى حالة من البغاء الكلي مع الجماعة. وهذا الطراز من الشيوعية بنفيه شخصية الإنسان في كل مجال ليس في الحقيقة إلا التعبير المنطقي للملكية الخاصة ، الذي هو النفي. إن الحسد العام الذي يشكل ذاته كقوة هو القناع الذي يتخذه التعطش إلى الثروة…وليس الشيوعية الفجة إلا اكتمال هذا الحسد…”ص94.
وعن الإلحاد يرى كارل ماركس في مخطوطاته أن “خيرية الإلحاد هي في البداية خيرية فلسفية مجردة ، أما خيرية الشيوعية فهي على الفور واقعية تتجه مباشرة إلى الفعل”ص97-مخطوطات كارل ماركس1844-دار الثقافة الجديدة.
يوصِّف ماركس الإلحاد كإنكار للاجوهرية الطبيعة والإنسان، فإنكار هذه اللاجوهرية لم يعد له معنى ” إن الإلحاد هو نفي الله، وهو يفترض وجود الإنسان خلال هذا النفي، لكن الاشتراكية كاشتراكية لم تعد بحاجة إلى مثل هذا الوسيط. إنها تنطلق من الوعي الحسي عمليا ونظريا للإنسان وللطبيعة كجوهر. والاشتراكية هي وعي الذات الإيجابي للإنسان الذي لم يعد موجودا بالوساطة من خلال إلغاء الدين. تماما كما أن الحياة الواقعية هي واقع الإنسان الإيجابي الذي لم يعد موجودا بالوساطة خلال الملكية الخاصة. خلال الشيوعية.
الشيوعية هي الإيجاب كنفي للنفي.”ص106-مخطوطات كارل ماركس 1844-ترجمة :محمد مستجير مصطفى -دار الثقافة الجديدة.
موقف الماركسية من الزواج والعائلة في العصر الحديث، والمرأة في عصور التوحش والبربرية نجده كذلك لدى( فردريك انجلز )في كتابه(أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة).
يورد (انجلز) في كتابه هذا مقتبسا واضحا لـ(مورجان)، معبرا عن الموقف الماركسي من الأسرة في العصر الحديث، نفهم منه أن شكل الزواج والعائلة في العصر الحديث هو أرقى من الأشكال التي أنتجتها عصور التوحش والبربرية والانحطاط والهمجية الجنسية، وبالتالي فإن تطور المجتمع يتجه نحو المزيد من المساواة بين الجنسين ، وإزالة أي شكل لاستغلال طرف لطرف آخر على أساس الجنس.
بمعنى أن ملكية الرجل للمرأة تتلاشى مع تطور المجتمع ،وإسهام المرأة وحضورها في الانتاج الاجتماعي، وأن النظر إلى المرأة كمشاع جنسي هو من عصور الانحطاط والتخلف ، يقول (انجلز) فيما ينقله عن(مرجان):” عندما تواجهنا حقيقة أن العائلة قد مرت خلال أربع أشكال متتابعة وهي الآن في الشكل الخامس ، يواجهنا فورا سؤال عما إذا كان هذا الشكل سيدوم في المستقبل .والجواب الوحيد على ذلك هو أن هذا الشكل يجب أن يتقدم بتقدم المجتمع ويتغير بتغيره كما حدث في الماضي ، فإن الزواج نظام خلقه النظام الاجتماعي ،ولذلك فهو يعكس صورته. وحيث أن العائلة الزوجية الحديثة قد تقدمت تقدما كبيرا منذ بدء المدنية وخاصة في العصر الحديث فمن المفروض أنها قادرة على مزيد من التقدم حتى تتحقق المساوة بين الجنسين. وإذا فشلت العائلة الزوجية مستقبلا في تحقيق مطالب المجتمع فمن المستحيل أن نتنبأ بطبيعة العائلة التي ستخلفها.”ص80-أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة –فردريك انجاز-ترجمة :أحمد عز العرب.
يقول (انجلز) في كتابه سابق الذكر” لا يصبح تحرير المرأة ممكنا إلاَّ عندما تتمكن المرأة من المساهمة في الإنتاج على نطاق واسع، وعندما يصبح العمل وقد أصبح هذا ممكنا نتيجة الصناعة الحديثة الواسعة النطاق التي أصبحت مساهمة المرأة فيها ضرورية وزيادة على ذلك فقد جعلت المرأة تكافح من أجل تحويل العمل المنزلي الخاص إلى وظيفة عامة.”ص179-180.أصل العائلة…
وبخصوص موقف وفهم ماركس للدين فإنني لا أقول بأنه لم يكن ملحدا وإنما أقول بأنه لم يكن معنيا بمسألة الإيمان والكفر من ناحية ميتافيزيقية، وإنما كان معنيا بتحرير الإنسان في سياقاته الاجتماعية من كل أشكال الاستلاب ، سواء أخذت وجها أرضيا مباشر، أو تلبست بالسماء بما هي مرآة وإنتاج إنساني ، تحول الإنسان إزاءها إلى غريب عنها، بما هي إبداع على صورته وحاجاته ولغته…