- كتب: طارق السكري
الوطن .. هو التربة التي
تبتسم حين تضع عليها قدمك . ثابت العقاب
لماذا التربة تبتسم ؟ فالتربة لاتبتسم وإنما يبتسم الإنسان !
في هذا النص الشعري الحديث تتضخّم حالةُ مكابدةِ الاشتياق إلى الوطن ، وتمتلك فكرة العودة أفق الخيال لدى الشاعر ، فإذا به يجد نفسه متوحِّداً بالطبيعة ، وإذا كل ما حوله من جمادات يعقل ويتحدث ويعي ، وإذا عناصر الطبيعة مؤنْسنة شاخصة أمام عينيه تسير معه أينما سار ، وتغني معه كلما وقَّع على أوتار الكلمة . والتشخيص في هذه الصورة الشعرية ملمح فني نزلت فيه الأفكار والأحاسيس منزلة الأشخاص ، وأكسبت عناصر الطبيعة أو الجمادات صفة من صفات الإنسان ، وإذا بك ترى في مرآة خيالك التربة إنسانا تفتر شفاهه بابتسامة عريضة تعبيرا عن الفرح والرضى ، والتشخيص في الصور الفنية الحديثة اتسعت دلالته فهو في التشبيه أو الاستعارة القديمة تعني القرب والمناسبة أي أن تكون أطراف التشبيه متقاربة كأن تقول : الوطن كالأم في حنانها فتلاحظ أن طرف التشبيه الأول : الوطن مقارب لطرف التشبيه الثاني : الأم من حيث : الاحتواء والرضى . والغرض من التشبيه هنا : التوكيد . وأن يناسب اللفظ المستعار له ، اللفظ المستعار منه كأن تقول : رأيت أسدا في الدار . فإنك استعرت للرجل الشجاع صفة من صفات الأسد وهي الشجاعة أيضاً والغرض من الصورة : التوضيح والتوكيد كذلك .
لكن الصورة الحديثة لم تتوسل الصورة لغرض التزيين والإيضاح أو التوكيد بل الصورة لديها أداة من أدوات التجربة وطريقة من طرق التعبير الفني وهي من صلب العمل الشعري وليست مجرد قشرة يمكن أن تزال . فها أنت ترى حالة الفرحة الغامرة تكسو ربوع الوطن وإذا بفضاءاته وآماده تذوب في النص – وهو ما عُبّر عنه في النقد الحديث بالنمو العضوي للصورة الفنية – إضافة إلى هذا الإيحاء الفاتن وهو أن هذه التربة تقابلك كلما وطئتها بترحاب ورضى ! وهذا غاية الحب ومنتهى اللوعة .
واختيار الشاعر لفظ التربة دون غيرها من أجزاء الطبيعة لم يكن عبثا فهو اختيار موفق لما للتربة من ذكرى عتيقة في وجدان الإنسان اليمني ، فاليمن بلدة طيبة تربة وفضاءاً ، كم فلحها الأسلاف بالصبر ، وكم سقوها من دماء القلوب ، وكم غرسوا فيها من بذور الأمل ، وكم غمروها كل صباح بالغناء والعشق ! ما أجمل الوطن ! وما أوجع قلوبنا بفراق تربته ! وكم يشتعل بنا الحنين وكم تضيق بنا الحيل !