- صالح البدح
هل ارتعدت فرائصك وأنت تتابع مشاهد النطاح الأمريكي الصيني؟ وزير خارجية الصين، من حيث يدري ولا يدري، بشرنا، بأن البلدين ينجرفان إلى حرب باردة جديدة. نسأل المولى أن تظل «مصقّعة» على طول المدى، وأن يكون بردها زمهريراً، فالجحيم أن يحمى الوطيس.
هذه المرة، تحتاج متابعة الفنون الإخراجية، في السياسة الأمريكية، إلى دقة وخفقة يقظة، إذا حالف العربَ حظ الاستيقاظ باكراً. انتبهوا جيداً: لو كان الصراع بين قوتين غربيتين، لكان فهم المقدمات والخواتيم أيسر. أمّا أن يكون النزاع بين عقليتين مختلفتين إلى حد الضد والنقيض، فالقضية أعسر مطلقاً.
خذ مثلاً نموذجين عشوائيين: بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق، والدماغ الجيوسياسي والجيوستراتيجي الراحل، أوصى «بعدم السماح لأي دولة في العالم بأن تصبح في مستوى منافسة الولايات المتحدة، مهما يكن الثمن»، بينما التنين تُوجّه سياسته معايير أخرى.
الجنرال صن تزو، صاحب كتاب «فن الحرب»، رأى قبل خمسة وعشرين قرناً، «أن أعظم انتصار هو أن تجعل العدو يهزم نفسه بنفسه، فلا تخسر عتاداً ولا أرواحاً». أمّا موروثهم في الثقافة الاستراتيجية فيتمثل في المثل الصيني: «اجلس إلى ضفة النهر وانتظر، فسوف يمرّ يوماً حاملاً جثة عدوّك». لعلّ الشاعر الأمريكي روبرت فروست استوحى منه قوله: «لأيّ كان أن يحكم عليّ بالإعدام، إذا هو ترك للزمن تنفيذ الحكم».
ذلك ليس سوى جزء بسيط من التوصيف، لأن الصيني الذي يجلس إلى ضفة النهر اليوم، إنما هو جالس على ترسانة نووية تستطيع حملها صواريخ خمسة أضعاف سرعة الصوت، أي نصف ساعة من بكين إلى واشنطن (أحد عشر ألف كيلومتر ونيف). المشكلة الأنكى هي أن الناتج القومي الإجمالي الصيني سيغدو مساوياً للأمريكي في أجل قريب.
على الصعيد التقاني، الكفة الراجحة صينية. قصة هواوي الصاخبة تراجيكوميديا. التجارة الخارجية ومستقبل طريق الحرير الجديد، محنة كبرى وضعت الإمبراطور على خط المتنبي: «أرقٌ على أرق ومثلي يأرقُ». أسوأ من كل ذلك، أن تسيطر الصين على كارثة الفيروس في مدة قياسية، وبرقابة تكنولوجية عالية، مع تصدير عشرات ملايين الكمامات يومياً إلى كل القارات، حتى إن الإمبراطورية تسطو، بدفع السعر مضاعفاً، على عقود الكمامات التي أبرمها حلفاؤها.
النتيجة الباهظية: ما هي الاستعدادات الذهنية الاستشرافية العربية، تحسّباً لزلازل صراع الفيلة؟ الحدّ الأدنى تنسيق المواقف درءاً للهرس والمرس.