- ريان الشيباني
أعتقد أنه من اللامعقول أن نشعر بالذنب تجاه فعل قتل فردي قام به مواطن فرنسي تجاه مواطنين فرنسيين. نتضامن مع الضحايا؟ نعم نتضامن، وإذا طلب منا إدانة الفعل، لا نتوانى عن ذلك، من منطلق المشترك الإنساني وقيم نبذ العنف، لكن لما الشعور بالذنب؟ هل هو فقط، لأن الجريمة وقعت في خارطة أوروبا التي يجب أن تكون محصنة، ونحن المستباحون حتى النخاع، من شأننا أن نقرع ذواتنا، لأن هذا الشيء كان يجب أن يقع في خارطتنا المدماة وليس في خارطة العالم الذي من شأنه أن يكون متعاليا ومتغطرسا، ومحصنا أيضا.
صحيح أن الجريمة سبقها تحريض سياسي، لكن من الذي أصبغ عليها، ولايزال، طابعها الإيديولوجي، أليس ماكرون؟ هكذا تدار الأمور، من بداية العصر الاستعماري إلى اليوم. أوروبا لا ترتكب الجريمة، وإذا ارتكبتها فهي ليست إرهابا. وإذا اختلت الموازين يوما، وأصبح المستهدف، أوروبا المسيحية ومن من؟ من مواطنين أوروبيين بالجنسية، يجب أن يكون هناك من يتحمل المسؤولية ويشعر بالذنب، من خارج الخريطة المقدسة.
لغتي هنا هي قمينة المنطق الأوروبي الفوقي، ولو أردنا أن ننزل من أبراجنا (التي نعتليها غصبا عنا) من المهم تذكير هؤلاء السياسيين المتغطرسين بالتزاماتهم تجاه قضايا الشرق الأوسط، إذا كانوا حريصين على وضع حد للعنف الذي تنتجه منظومة العدالة المختلة، ومغادرة الارث الاستعماري، الذي لايزال يحكم تصرفاتهم إزاءنا نحن رعايا مستعمراتهم السابقة.
نحن في اليمن، وضعنا لأكثر من ثمان سنوات، ولازلنا، في رعاية الدول العشر، ثلاث منهن غربية (الولايات المتحدة- المملكة المتحدة- فرنسا). وكثير ما نسمع أن بريطانيا تدير الملف اليمني بأهوائها الاستعمارية، وبعقلية ثأرية، وبالشراكة مع الدول التي أبقت على مصالحها قائمة حتى بعد العصر الاستعماري.
فماذا جنينا؟ خراب ودمار، وبدلا من أن تستثمر الآلة الحربية العظمى لهذه الدول في الضغط على الأطراف الاقليمية لانهاء الحرب ووضع تسوية عادلة، ذهبت شركاتها لانتاج السلاح للعمل على إبقاء نار الحرب متقدة. حالة اليأس، والشعور برغبة تدمير الذات، أصبح متفاقما لدى شباب منطقتنا أكثر من أي وقت مضى، عوضا عن أن نظر هذه الدول لمصالحها تتأتى في أوقات كثيرة على حساب مصالحنا وأوطاننا.
في الأسبوعين الماضيين، رأى العالم كيف مضت الولايات المتحدة للإمعان في إذلال الشعب الفلسطيني ومصادرة حقه في العيش بسلام على أرضه. فلم يكتفي ترامب بإطلاق يد النظام الإسرائيلي العنصري، بل تجاوز ذلك، للضغط على الأنظمة العربية، ومساومتها على لقمة عيش شعوبها مقابل تطبيع رخيص مع دولة الاحتلال. هذا الشيء لا يقال، وإذا قيل، لا أحد يستمع له. لأن هناك شماعة كبيرة، وتعريف ثقافي للأزمة اسمه “الإسلاموية” التي صارت تتسع لكل شيء، ويمكنها أن تشعرك بالذنب وأنت في مكانك القصي البعيد في العالم.
أنت مذنب لأن هذه “الإسلاموية” فاه بها ماكرون أو ترامب، ولذا بدلا من أن يذهب هؤلاء القادة للنظر في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم الغربية المحصنة، تتحول الأنظار إلى خارطتنا المستباحة لتقريع سكانها، وتحميلهم المسؤولية. يجب أن يبقى الغرب محصن، من لا يتمنى ويحرص على ذلك، لكن نحن أيضا، يجب أن يكون دمنا مقدسا. يجب أن يشعر العالم -المصمت الضمير- بالقتلى اليمنيين والعرب الذين يتساقطون كل يوم في شوارع دول ما بعد الربيع العربي. يجب أن توجه الغطرسة والاستعلاء في مصارفها الصحيحة، لجعل هذا الكوكب أكثر أمنا، والاستثمار في أمننا واستقرارنا، بدلا من إمداد حروب المنطقة بأسباب البقاء وتمكين المستبدين والطغاة على رقابنا.