- تقرير
“هذه ما تمشي، بدّل غيرها”، جملتان ستسمعهما كثيراً في البقالة.. الصيدلية.. السوق.. عند سائقي الدراجات وسيارات الأجرة.. وعند بائعي القات… يرددهما الجميع تعبيراً عن رفضهم أوراق العملة القديمة المتهالكة والمقطعة، التي فرضتها حكومة إنقاذ صنعاء كخيار وحيد للسكان في التعامل بها، بعد قرارها الأخير بمنع تداول العملة من الطبعة الجديدة التي طبعتها حكومة عدن ، وقد أدخلت منها مبالغ كبيرة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء.
صراع يومي لتمرير أورق مقطعة
يتداول المواطنون أوراقاً نقدية متهالكة في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الشمالية ، ولا خيار آخر أمامهم.
أصحاب المحال التجارية والباعة قليل منهم من يوافق على أخذها من الزبائن، كما هي مقطعة وملصقة من جميع الاتجاهات وبحالتها المزرية.. يحدث هذا بعد صراع يخوضه الزبائن مع أصحاب المحال التجارية بمختلفهم، لأجل تمرير أوراق مقطعة وشراء قوت لأسرهم، لكن أغلب التجار يرفضون تمريرها بسبب وضعها المزري، كما أن الزبائن أنفسهم يرفضون أخذها من التجار، ولا أحد قادر على أن يجبرهم على ذلك.
رثة ومتهالكة
الناشط عبد الله الحداد، مهتم في الشؤون الاقتصادية، قال “لا أعرف كم فترة زمنية سوف يستمر قرار سلطة صنعاء بعدم التعامل مع الأوراق النقدية الجديدة، التي طبعتها الشرعية مؤخراً”.
وكان دعا البنك المركزي بصنعاء المواطنين إلى استبدال الأوراق الجديدة بأوراق قديمة عبر مكاتب البريد والنقاط التي حددها القائمون على البنك .
يؤكد الحداد ، أن “الجميع هنا يعرف كيف تتم طريقة استبدال الأوراق الجديدة، لمن بحوزتهم أوراق جديدة”، مشيراً إلى أن “عملية الاستبدال مجحفة بحق المستبدلين”.
موضحاً: “إذا كان لديك مليون ريال من الأوراق الجديدة وذهبت لاستبدالها، سوف يسحبون منك المبلغ ويوردونه إلى حسابك في البريد، ثم يصرفون لك 10000 ريال من الأوراق القديمة فقط، وبقية المبلغ يرغمونك أن تعبي بمقابله باقات نت، أو رصيد تلفون”. واعتبر أن “هذه طريقة احتيال وليست عملية استبدال منصفة للطرف المستبدل”.
وأضاف الحداد إن “الشعب هو الضحية دوماً في أي مشكلة تحدث أكانت سياسية أم اقتصادية، وكما هو حاصل الآن للمواطن ومعاناته اليومية مع أوراق عملتنا النقدية القديمة التي أصبحت مقطعة وغير صالحة للتداول داخل السوق”.
وتابع: “لو لاحظنا فإن أغلب الأوراق النقدية القديمة فئة ’50 و100، و200 و250′ ريالاً، الكثير منها غير صالحة للتداول وأصبحت منتهية تماماً، بالإضافة إلى أن أعدادها تتوارى وتختفي من السوق، وهو ما يسبب في بعض الأوقات حدوث أزمة عند التجار والمواطنين، باعتبارها فكة للأوراق الكبيرة، وعلى إثر ذلك نسمع ونشاهد يومياً أصحاب المحال التجارية المختلفة وهم يحاولون إرغام الموطنين القبول بعدة خيارات، أو يطلبون منهم أن يعودوا مرة أخرى لبقية المبلغ، حين تتوافر لديهم فكة، وفي الغالب تشاهد التاجر يعيد للزبون أوراقاً مقطعة متهالكة”.
ويؤكد الحداد أن “تلاشي وشحة الأوراق النقدية الصغيرة من السوق، سيرغم في الأخير جماعة الحوثي على التراجع عن قرارهم الذي يحظر التعامل بالأوراق النقدية الجديدة”.
وأشار إلى أن “هذا التراجع سيحدث نتيجة حاجة وطلب السوق إلى أوراق نقدية بديلة عن الأوراق القديمة المنتهية، وبالذات الفئات الصغيرة، وفي الأخير ليس أمام حكومة انقاذ صنعاء خيار غير التراجع، طالما وصلاحية طباعة العملة في يد حكومة عدن فقط”.
لواصق ودبابيس!
لم تصل عملة نقدية في العالم إلى الحالة التي وصلت إليه عملتنا اليمنية، والمتمثل بتدهورها المستمر أمام العملات الأجنبية، وحالة الأوراق المتهالك والمنتهية.
الطالب مشتاق علي، يوصف -ساخراً- الحال التي وصلت إليه أوراق عملتنا القديمة: “ورقة فئة 100 و200 ريال أصبحت لا تفرق عن ورق “التتان” (التبغ) كثيراً، والورقة السليمة منها ستجد عليها جميع أنواع اللواصق: لصقة من حق الزلط، أو لصقة كهربائية، أو من حق الجراح، وأحياناً تجد عليها دبابيس، هذا خلافاً للشخابيط والكتابات التي عليها”.
وأضاف :بعض التجار والمواطنين توصلوا إلى أن يضيفوا فوق الأوراق المبتورة أجزاء من أخرى مشابهة”.
ويذكر مشتاق قصة واجهته قبل أيام، يقول “إن شخصاً قام بمغالطته، عندما ناوله ورقة فئة 500 ريال مركبة بشكل مختلف من دون معرفته”. يضيف: “لقد اكتشفت ذلك من صاحب الفرن عندما ناولته الـ500 لشراء روتي، اكتشف هو عيبها مباشرة، فأعادها لي. استغربت لماذا أعادها، أمعنت النظر فيها فوجدتها طويلة ومختلفة، كونها موصولة من ورقتين وملصقة، بالفعل كان شكلها غريباً كما قال صاحب الفرن”.
يقول: “أنا لا أسخر من عملتنا الوطنية بقدر ما أنا حزين للحال التي آلت إليها، نتيجة الصراع القائم بين الأطراف الذين وظفوا عملتنا في خدمة صراعهم، وكان يفترض عليهم أن يجنبوها الصراع القائم بينهم، لأنها ملك الشعب، وليست ملك طرف بعينه، والصراع بالعملة وتدميرها يضرب الاقتصاد الوطني وقيمتها”.
ملصقان وطنيان
مرات عدة وأنا أصادف مواطنين ومن أصحاب البقالات وبائعي القات وهم يساهمون في عمل وطني عظيم، بخدمتهم للاقتصاد الوطني وحفاظهم على صمود عملتنا الوطنية إلى أقصى حد من البقاء، ولو أن ما يقومون به عمل بسيط، وهو بالأساس ليس من مهمتهم.
رضوان، رجل خمسيني، وهو صاحب بقالة صغيرة في صنعاء، وبنفس الحارة التي أقطن فيها، عند عودتي في المساء إلى المنزل، أمر على بقالته الصغيرة لشراء بعض الأغراض للمنزل، ألقاه منهمكاً بتلصيق أوراق العملة المقطعة والمتهالكة.
عند كل مساء يقوم رضوان بتصليق أوراق فئة 100 ريال وأخرى مقطعة.. سألته: لماذا تقوم يومياً بتلصيق الأورق؟
أجاب: “يا أخي إيش نفعل، الزلط كلها مقطعة، وحالتها حالة”.
وقال: “هذا جزائي لما أقبلها من الزبائن، ويفترض أننا ما أقبلها منهم، بس عندما الزبون يحلف لك أنه ما يملك غيرها وهو بحاجة قرطاس حليب لأسرته، هل يرضيك أننا أرجع زلطه المقطعة؟”.
وأضاف: “إيش بيقع يا أخي، نقبلها وقت الفرغة قدنا أقوم ألصقها كلها. وبنفس الوقت نخدم الاقتصاد وعملتنا التي دمروها بسياساتهم وصراعهم وقرارتهم الفاشلة”.
تقول حكومة “الإنقاذ” بصنعاء ، أن اتخاذ قرارها الأخير الذي يمنع المواطنين من التعامل بالأوراق الجديدة ؛ جاء رداً على طباعة أوراق جديدة من قبل حكومة “الشرعية” بعدن ومن دون غطاء نقدي يضمن عدم تدهورها أمام ارتفاع الدولار وبقية العملات الأخرى.
وانتقد ناشطون كثر في صنعاء ، متسائلين لماذا أصدر هذا القرار متأخراً وبعد أن سمحوا بدخولها وبمبالغ كبيرة منذ ما يقارب العام؟ مؤكدين أن هناك مصلحة أخرى غير تبريراتهم لتدهور العملة.