
اجتمع قادة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة في قمة استثنائية حملت – كما هو معتاد – لغة الإدانة والاستنكار ورفعت شعارات التضامن والتعايش، لكنها كشفت في جوهرها عن ضعف وهشاشة عربية أمام ما تتعرض له غزة من حرب إبادة وتنكيل دموي مستمر على يد الكيان الصهيوني، الذي يتمادى بصلفه ليوسّع جرائمه لتشمل المنطقة بأسرها، في واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في العصر الحديث.
هذه المرة، حرص القادة على التقاط الصور التذكارية وتبادل بيانات الشجب، مكتفين بإدانة ما سموه “الاعتداء الإسرائيلي” على قطر، في وقت تتساقط فيه آلاف الضحايا في غزة تحت القصف والحصار والتجويع، دون أي تحرّك جاد من الإرادة السياسية الخليجية أو العربية لوقف نزيف الدم الفلسطيني والحد من صلف ذلك الكيان الغاصب.
كالعادة، بدا البيان الختامي منفصلًا تمامًا عن الواقع، إذ تحدث عن “التهديد للأمن الخليجي المشترك” و”استعدادات لتفعيل الدفاع المشترك”، ولم يجرؤ المجلس على تسمية ما يحدث في غزة بحقيقته: إبادة جماعية مكتملة الأركان. وحتى اللغة المستخدمة لم تتجاوز حدود المناشدة الروتينية للمجتمع الدولي لتحمّل “مسؤولياته الأخلاقية”، مؤكدة مجددًا استمرار العجز العربي المزمن وتواطؤ أنظمته مع سياسات الاحتلال.
والحاصل أن القادة اكتفوا بالتباهي بشكر الدول “الصديقة” التي أصدرت بيانات تضامن مع قطر، في الوقت الذي يتواصل فيه النزيف الفلسطيني والإبادة الشاملة في قطاع غزة، فيما تتعالى أصوات الملايين في الشارع العربي غاضبة من هذا الانفصال الفاضح بين الموقف الرسمي والشعور الشعبي. والواقع أن الشعوب العربية – من الخليج إلى المحيط – ترى في هذه القمم مجرد اجتماعات لملء الفراغ الدبلوماسي وتبرئة الذمة أمام الإعلام، دون أي التزام حقيقي بدعم المقاومة الفلسطينية أو وقف نزيف غزة.
والحقيقة أن حرب الإبادة في غزة لا تحتاج إلى بيانات جديدة، بل إلى إرادة سياسية تترجم التضامن إلى إجراءات فعلية تشمل وقف التطبيع، وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وتحريك الأدوات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، وتبنّي موقف عربي موحّد يليق بدماء الشهداء وصمود غزة. ومع ذلك، أثبتت القمة الخليجية الأخيرة مرة أخرى استمرار البقاء في الحضيض، حيث صار العجز العربي قاعدة لا استثناء!





