- كتب: د. عبدالعزيز علوان
كلمات: أحمد الجابري
غناء: محمد مرشد ناجي
للأغنية الشعبية اليمنية طابعها الخاص، وقيمها الجمالية، الإيقاعية، وتنوع لهجاتها، وتعتبر اللهجة التعزية أو اللون التعزي أهم هذه الألوان الغنائية.
من أبرز رواد هذا اللون، الجابري، وسعيد الشيباني، وعبدالله سلام ناجي، سلطان الصريمي، ومحمد عبدالباري الفتيح وغيرهم، أما من قام بأدائها من الفنانين هم (محمد مرشد ناجي، أحمد بن أحمد قاسم وفرسان خليفه.. وغيرهم) منذ ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، ويرى الشاعر: نجيب مقبل [أن نصوص الشعر الغنائي للشاعر الجابري، رغم انتمائها للشعر العامي، أكثر لمعانا من الناحية الفنية والمعرفية والتجريبية … كما صارت المدن اليمنية جنوبا وشمالا.. أرضا مفتوحة لخطف جماليات إبداعها وتجاربها وميزاتها].
الأخضر هو اللون الممتلئ ماء وحيوية، تتدفق الراحة النفسية بالنظر إليه، يلبس الاطباء، (بالطوهات) ذات لون أخضر في غرف العمليات، ليضفي الهدوء النفسي للمرضى.. الجهيش الأخضر هو الذي يختزل كل صفات، الجمال، (الامتلاء. الحيوية و حلاوة الطعم)، فهذا التعبير قد يشير ظاهريا، إلى السنبلة (السبولة) التي تقطف وتشوى ثم تُفرط حبوبها باليد أو بما نسيمه نحن (المجلم) الجزء الأخضر، من أسفل السبولة يثنى على شكل الرقم ثمانية ويحلو أكل الجهيش مع الماء البارد..
يشير البيت الثاني الى التفاتة مقارنة بذكر الحبيب (بصيغة تأنيث المذكر)، بأنه مماثل لذاك الجهيش الأخضر الممتلئ وهو في ريعان شبابه، شوهد مبكرا في الغبش كرؤية عينية يقينيه. وتستمر هذه الالتفاتة الشعرية، إلى آخر القصيدة الأغنية..
اخضر جهيش مليان حلا عديني
بكر غبش شفته الصباح بعيني
ويسمى الجهيش في مناطق أخرى (الصعيف)
يا ليتنا كوز بارد كلهن يشربنه على شوية صعيف
الجرار (ج. جره) إناء فخاري كان يستخدم لجلب الماء وتخزينه، ولذا فإن المبكر غبش (من باب تذكير المؤنث) هن الفتيات اللاتي يذهبن لتملئة الجرار بالماء من الآبار، وكأن ريق الندى هو رحيق تلك الحيوية والشباب الذي يَهدِي، من يُضَيع طريقه…
يملي الجرار ريق الندى رحيقه
يروي ظمأ من ضاع عليه طريقه
يتمنى هذا البيت الشعري أن يكون ظلا لهذا المبكر في الغبش، كي يمشي خلاله مسايرا له كظله، وفي الطريق سيخبره ربما عن مدى تعلقه به، حيث يكون وحيدا (لحاله).
يا ليتنا ظله … شاسير خلاله
عند الطريق شاتخبره … لحاله
كان اعتراض فتيات الريف في الطريق ومصارحتهن بالحب، شائعا في تلك الفترة، ولذا نجد ذكر الطريق بأكثر من أغنية يمنية مثل (يوم الاحد في طريقي، صدفه من الصبح، يا مسافر إلى الطائف طريق الهدا، با عدوا من طريقنا)، كما ذكرت الطريق مكانا للشكوى (والله لأقعدن على الطريق واشتكي)
ثرب كما وردت في القصيدة تأتي بمعنى (أحترق شوقا)، وتزايد هذا الشوق من لهيبه)، بالسؤال عن كيفية الاصطبار، والناس تشوف حبيبه، بمعنى (ترثي لحبيبه) وهو بتلك الحالة من الفراق واللوعة.
قلبي ثرب، وزاد من تريبه
كيف يصطبر؟ والناس تشوف حبيبه
هذا الحبيب الذي لا يقدر على الوصول، ولا يستطيع رسوله أيضا أن يعطيه جوابا شافيا.. تدفع البيت الشعري إلى التساؤل مرة أخرى عن كيفية السبيل إليه (الطريق أو الدليل) ، يوحي هذا البيت الغنائي، بأن طرفيها، متباعدان، وثمة حواجز بينهما، تمنع لقاءهما أو وصول جواب منها.
لا هو قدر ولا وصل رسوله
يعطي الجواب؛ كيف السبيل قلو له
زاد الجوى، (احتراق العشق) أما زاد فقد تؤخذ بمعنى الزاد (الغذاء) أو الزيادة، في طل مخاوف تتنامى ممن حوله، وكأنه يستحلفهم بخوفهم ليأخذوه، فقد جففت نار الجفاء (البعد أو الاعراض عنه) دموع عينيه..
زاد الجوى … وا خوفكم خذوني
نار الجفا نزف دموع عيوني
الخل تطلق عادة على (الزوج أو الزوجة)، وِنشَر (ذهب). فهل هناك رضا من الله بالبقاء جنب (قُرب) الحبيب تساؤل مغلف بحرقة الانتظار للإجابة، فاذا كانت الإجابة بعدم الرضا، فإنه يترك حبيبه في وداعة الله.
خلي نشر .. شي عاد رضا من الله
جنب الحبيب ماشي وداعة الله
- (أخضر جهيش مليان حلا عديني) عام 1957م.