- فيصل سعيد فارع
يعد الفنان أيوب طارش عبسي احد أكثر الأصوات الفنية حميمية في الذاكرة الجمعية لليمن، إذ شكّل نموذجاً فريداً لعملية إبداع فني أساسها نشاط إنساني راقِ، أدى ويؤدي إلى نتاجات خلاقة وقيمة عالية تأتَت من صفات اتسمت بها شخصية العبسي أبرزها الروح الإنسانية الوثّابة الممتلئة بدافعية الإنجاز، والتفرد، مبدعاً أعمال هي انعكاس متميز للشجن، والحزن، وحب الوطن الذي وسم الشخصية اليمنية، ليتعدى حضوره أفقاً ضيقاً بوصفه فنان تعز، الذي أرسى لها مدرسة أصبحت إحدى المدارس الفنية اليمنية إلى جانب المدرسة الحضرمية، والصنعانية، واللحجية …إلخ، ليصبح فناناً يغرد باللحن لكل هذه البلاد بتنوعها الفني الثري، يفصح عن ذلك أداؤه قصائد متنوعة قدمت من لهجات مختلفة، سواء التهامية أو الصنعانية، فضلاً عن غنائه بالفصحى لشعراء متعددين.
إن أيوب طارش عبسي فنان كبير يلامس صوته الأشواق السرية في الروح، ويكثف كل حالات العاطفة بشكل فاتن، وامتيازه المدهش هو كونه يشبه الجميع , متخلقاً عنهم بروح فنية متفردة، تعد نموذجاً للبساطة التي تقربه من جميع الناس، وتجعله جزء منهم، يمثلهم، ليصبح صوته وما يؤديه لسان حال الجميع، لدرجة أن نبرة صوته في الغناء أصبحت علامة فريدة لا يمكن أن تتكرر بسهولة، ولا تدل على سواه أبداً.
غنى أيوب للريف والأرض والغربة، والحب، والوطن والتصوف، وكان باستمرار فناناً استثنائياً وشاملا ، أحاطت تجربته الفنية بحياة هذا البلد وأبنائه وأحلامهم.
كتاب (لحن الوطن والحب …أيوب طارش العبسي) الصادر عن مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، الذي بين أيدينا يوثق للقصائد التي أشجانا وأطربنا بها مبدعنا الكبير (كما غنّاها) ، مشيرين أمام كل منها للشاعر الذي أبدعها وفق ترتيب نهض به، منبهاً في هامش بعض القصائد لبعض الوقائع التي ارتأى الإشارة لها..
وأضاف الفنان أيوب طارش عبسي بهذا العمل التوثيقي ميزة جديدة تعكس روحه الإبداعية المتجددة في سماء الفن والحب والوطن.
وفي ختام هذا التصدير لهذا التوثيق – الذي يعكس صدى الكلمة واللحن على مدى عقود متوالية، والنافع للأجيال والباحثين والمعنيين، أجدني بحاجة إلى التأكيد أن أيوب طارش العبسي صديق عزيز وإنسان تفيض روحه بالمحبة والرقة والبساطة التي يمتاز بها الكبار ويرتقون بها أكثر، عندما تزوره أو تقابله يشعرك بصدق أنك صديق أثير وقديم، ويمنحك دفئاً يفصح به عن جماله الروحي الشبيه بأنغامه وفاتن موسيقاه.