- طه العامري
إذا دعونا نتساءل عن المسافة التي تفصل أمريكا عن يوغسلافيا، وعن أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسورية، واليمن؟!.
دول ذات سيادة وحضارة وعراقة تاريخية وموروثات ثقافية، دول بعض ابنيتها وجدت قبل أن توجد أمريكا والكثير من حلفائها عربا كانوا أو عجما بالآف السنيين.. وتبعد هذه الدول آلاف الكيلو مترات عن أمريكا التي غزتها ودمرتها بذرية الدفاع عن (الأمن القومي الأمريكي)؟!!.
وهذا عمل مشروع لأمريكا، لكن لا يجوز لروسيا أن تدافع عن أمنها القومي من عدو يتربص على أبوابها؟ عدو لم تذهب روسيا تبحث عنه خلف المحيطات، بل هو من زرع على أبوابها..؟!.
أوكرانيا كشفت باحداثها أن أمريكا وحدها من يحق لها أن تغزو اي بلد وتدمرها وتسقط أنظمتها وتحاكم قادتها وتعدمهم بكل غطرسة وغرور ولا يجب على احد ان يعترض على ممارستها لأنها تقوم بعمل ( إنساني وحضاري وديمقراطي)..؟!.
أعرف أن أنظمة الغرب بكل أشكالهم مجرد اتباع لأمريكا مثلهم مثل بعض أنظمة (العهر العربي) ولا يختلفون عنهم، إلا بشي واحد وهو أن أمريكا تهين الأنظمة الغربية سرا فيما تهين اتباعها من الأنظمة العربية علنا..؟!.
وهي تبتز الغرب تحت الطاولة، وتبتز حلفائها العرب من فوق الطاولة وبكل سفور ووقاحة..؟!.
أمريكا في أوكرانيا لا تدافع عن أوكرانيا ولا عن شعبها ولا عن سيادة أوكرانيا، ومعها حلفائها الأوروبيين، لكنها فعليا تدافع عن مكانتها وعن عرش الغطرسة الذي لا تريد النزول من عليه، تريد أن تبقى (سيدة مبجلة) تامر فتطاع تغزو فيصفق لها، تقتل شعوب العالم بذريعة تحريرهم من (الديكتاتورية)؟!.
أمريكا في أوكرانيا تحارب من تجراء على مس هيبتها ومن يسير في طريق تجريدها من (صولجان الغطرسة والتوحش)؟!.
روسيا في عملياتها العسكرية أيضا لا تحارب نظام أوكرانيا بل تحارب الإرهاب ولا فرق هناء بين (أمريكا) وتنظيمي (القاعدة وداعش) فجميعهم إرهابيين ولكن كل بحسب قدرته ونفوذه..؟!.
الفرق هناء أيضا أن دافع العملية العسكرية الروسية هو حماية أمنها وسلامة مواطنيها والناطقين بلغتها من عنصرية واستبداد نظام (نازي) تم تنصيبة ليكون بمثابة حربة مسمومة على الخاصرة الروسية، وقد استخدمته أمريكا كما استخدمت إلى جانبه دول الترويكا الأوروبية لتجعل منهم عبارة عن (رهائن) تهدد بهم روسيا، وهناء تقول أمريكا لروسيا لن نتواجه معكم بل سنجعل هؤلاء يواجهونكم نيابة عناء ونحن سنبيع لهم السلاح والثمن..؟!.
سوف نكسبه من عائدات أسعار الغاز الذي نبيعه لاوروباء بأسعار مرتفعة بعد أن كانو يستوردون منكم الغاز بأسعار رخيصة؟ لهذا فجرت خطوط نقل الغاز لأوروبا بعملية إرهابية لا يأتي بها سوى إرهابي محترف..؟!.
إذا لا شيء اسمه (قانون دولي)؟ ولا شي اسمه (سيادة الدول) ولا كرامة الشعوب، وفق المنطق الأمريكي، بل هناك قانون واحد وحيد تحاول أمريكا في أوكرانيا أن لا يتغير، وان لا يتجاوزه المجتمع الدولي وهو قانون أمريكا..؟!.
أمريكا التي بدت حياتها بسرقة مواطني أفريقيا وتحويلهم إلى (عبيد) تتاجر بهم في أسواق النخاسة واستغلتهم لتعميرها في قطاع العمران والإنشاءات والزراعة وبالسخرة، هي اليوم تواصل مهنتها القديمة _الجديدة وهي (السرقة) ولكن هذه المرة تسرق ثروات الشعوب، فهي سرقة ثروات العراق ولاتزال، بل أود الإشارة هناء أن عائدات بيع النفط العراقي تورد للبنك الاتحادي الأمريكي حتى اللحظة، َحتي اللحظة ترفض أمريكا تحويل هذه العائدات للمصرف المركزي العراقي بذريعة أن النظام في العراق (فاسد) وغير مأمون على أموال شعبه..؟!.
وكما تسرق ثروات ليبيا، تسرق وتنهب ثروات سورية النفطية بل حتى محاصيل القمح السوري لم تسلم من سرقة واشنطن، وأن أخفقت في سرقة محصول القمح تقوم بإحراقه في الحقول..؟!.
ولم يكن عدوانها على اليمن خارج نطاق هذه المهنة وهي (السرقة) لثروات شعبنا، والدليل انها أنزلت طلائع من قواتها على سواحل المحافظات النفطية وتعمل على عرقلة اي حل للأزمة في اليمن وتمنع مرتزقتها من قبول الحوار والالتقاء مع أبناء وطنهم، وتطيل أمد الأزمة رغبة منها في إيجاد وسيلة تمكنها من سرقة ثروات اليمن والسيطرة عليها..؟!.
وفي اليمن تريد أمريكا تطبيق ذات النظرية التي طبقتها منذ عام 1945 م مع مشيخات ومحميات الخليج وهي السيطرة على ثرواتهم تنقيبا واستخراجا وتسويقا عبر شركاتها واقتطاع نسبة من عوائدها تذهب دعما سريا وغير معلنا ( للكيان الصهيوني) فيما بقية العوائد تورد لبنوكها مقابل تصدير كل محتاجات هذه المشيخات من الكماليات والأسلحة والسلع الاستهلاكية حتى أن فاتورة الأسلحة الأمريكية المصدرة لهذه المشيخات تقدر بالترليونات رغم أن هذه المشيخات لم تخوض يوما حربا غير حروبها ضد الشعب اليمني..؟!.
لقد ربطت أمريكا استقرار ورفاهية المحميات الخليجية بسيطرتها المطلقة عليهم، وبقبولهم استقطاع نسبة من عوائد ثرواتهم لصالح (الصهاينة) وهذا الاتفاق هو حصيلة تفاهم جرى بين الرئيس الأمريكي ومؤسس النظام السعودي الذي طالت خيراته (المنظمات الصهيونية) التي ارتكبت مذابح بحق الشعب العربي في فلسطين قبل قيام الكيان رسميا عام 1948 م..؟!
إن أمريكا هي دولة إرهابية وثقافتها أيضا وسلوكها وهذه الثقافة انعكست على سلوك مواطنيها الذين يتساقطون يوميا على امتداد جغرافيتها، ولهذا هي في أوكرانيا تدافع عن مهنتها في ممارسات الإرهاب بحق العالم وفي سبيل الإبقاء على دورها في سرقة ثروات الشعوب سوا كانت تحت الأرض أو في أعماق البحار أو حتى في بنوكها، حيث لا تتردد في مصادرة أموال دول وشعوب وأفراد كما حصل مؤخرا مع الارصدة الروسية وقبلها ارصدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وارصدة الجماهيرية الليبية، وحتى أرصدت أفغانستان التي دمرتها أمريكا والغرب صادرتها بعد عقدين من احتلالها لأفغانستان في حرب ضد (طالبان) وفي النهاية خرجت منها وسلمت السلطة لاعدائها الذين حاربتهم لعقدين.؟!
ومع كل هذه الممارسات الإجرامية التي تمارسها أمريكا فإن العالم بكل دوله ومنظماته ومنظومته يمارس من ( النفاق ارذله) ومن ( الانحطاط اقبحه) ليس حبا بأمريكا، بل خوفا من غضبها وهو الخوف الذي أصبح لدى بعض العرب يتجاوز خوفهم من (الله سبحانه وتعالى) لدرجة ان بعضهم يرى أمريكا وكأنها هي (إله الكون لا شريك لها)..؟!.
ولكن إلى حين، وكما أن كل شيء يبدأ بالأفول إذا بلغ ذروته فإن هذه ( الدولة المارقة) كما وصفها احد مفكرييها وهو (نعوم تشومسكي) تسير في طريق الأفول والانهيار وكثيرة هي الشواهد الدالة على ذلك.. لكن يبقى الأمر مرهون بعامل الوقت وبنتيجة المواجهة في أوكرانيا التي ستحدد مصير ومكانة ومستقبل أمريكا وهيمنتها على العالم.