- كتب: ضياف البراق
بالأمس قدّم لنا محمد الربع في برنامجه الساخر (رئيس الفصل) حلقة رائعة جدًّا وشديدة الأهمية نقَلتْ إلى الرأي العام مأساوية يمنية حقيقيّة تدمي قلب المشاهدين، رأينا فيها أمثلة حية وكثيرة عن فساد وظلم وعبث العمل القضائي في اليمن. وهذا القضاء هو في الحقيقة والواقع ضد العدل، وإذن ضد كرامة الوطن والمواطن معًا. إنه فاسد وظالم ولصوصيّ إلى حد يرتعب منه الضمير الحيّ. ومعظم القضاة عندنا بلا أرواح إنسانية.
وعندما نتكلم عن العدل والقضاء فإنه علينا أن نحتقر، وبكل سخط، ما تمارسه المحاكم من عبث في بلادنا المخنوقة بكل أنواع الفساد.
لقد رأينا في حلقة الربع مواطنين كثيرين مظلومين يتشكّون من ظلم القضاء وانحرافاته الكثيرة، وسمعنا منهم آهاتهم وآلامهم الطويلة والمريرة التي لا تُحصى. آه لكَمْ أبكتني تلك المشاهِد الصادقة!
السخرية اللاذعة والهادفة هي دائمًا تعرية حقيقية وجذرية للظلم والفساد والزّيف، أو لا بد أن تكون هكذا كيما تحقق هدفها الأخلاقي والإنساني والحضاري بصفة عامة.
بل لا بد أن يكون النقد سَخَطًا مقدّسًا يتمسك به المجتمع، ويمارسه باستمرار لكي يحافظ على حقوقه وشرفه وكرامته.
فالعدل يغيب أيضًا عندما يغيب النقد الحر الساخط البنّاء.
لكن ما هذا السخط المقدس؟ يقول سلامة موسى الكاتب والمفكر المصري بما يعني أن السخط المقدس هو النقد الحر الشريف، هو المعارَضة الحقيقية الغاضبة، أي أن يصرخ الإنسان بكل شجاعة ونزاهة في وجه الفساد ومصادره وبدون هذا السخط لا تستقيم الحياة ولا تصلح أمور الناس.
فعلى كل إنسان يحترم نفسه أن يكون ساخطًا دومًا على ما يجري أمامه وحوله من عبث وظلم وانحطاط وألّا يخاف من أي تهديد، فهو يقول كلمة الحق فحسب، وهذا ليس جُرمًا، بل إن الحق يحميك عندما تحميه أنت وتكون في جانبه، وتحيا به، فكن حقّانيًا تجاه نفسك وتجاه الآخرين أيضًا، والظالم أو الفاسد من يكره أن يظلمه الآخرون ولكن لا يكره أن يظلمهم هو أو يستغلهم بصورة حقيرة.
بعد السخط المقدس، وفي سياق آخر، يأتي كلام سلامة موسى عن أثَر “سوط الاحتقار” فيقول ما معناه أن غضب الرأي العام يكون رادعًا أشد من قوة القوانين، ونحن لا نخاف القوانين ولا نحترمها إلَّا كنتيجة لخوفنا من غضب المجتمع وأن ينظر إلينا باحتقار حين ننحرف عن السلوك السليم. “فإصلاح الأمة يرجع في الأكثر إلى قوة الرأي العام أكثر مما يرجع إلى القوانين”.
لهذا، علينا أن نستعمل هذا السخط المقدس وسوط الاحتقار للزجر والتأديب والإصلاح.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ السخَط المقدَّس هو ما يمارسه الإعلامي الساخر الموهوب محمد الربع.. فهذا الصوت النقدي الجريء والصادق يشتغل في برنامجه المشهور على تعرية الوجوه الفاسدة التي تسحق بلادنا وتكاد تقضي علينا جميعًا عن بكرة أبينا، ونتمنّى من (الرُّبْع) أن يستمر في نشاطه هذا، لكن مع مزيد من الشفافية والموضوعية وعدم الانحياز إلّا للمسحوقين، لأننا بحاجة ماسّة إلى كفاحه الإعلامي الحر لإيقاف سيل الفساد الذي يجرف الحياة في وطننا المنكوب بهؤلاء الفاسدين الذين يعرفهم الشعب، فيا عزيزي محمد لا تفلت من يدك سوط الاحتقار، واستمِرّ في نشر التوعية وتعميقها في وجدان الجماهير.
أجل، من الضروري استعمال سوط الاحتقار الجماعي لردع كل فساد، وإصلاح كل باطل، ومواجهة كل خطر، ونأمل أن يكون الرأي العام عندنا هكذا، يقظًا شجاعًا وصادقًا.
يقول سلامة “ولكن إذا اختل الرأي العام وساءت أحكامه صارت القوانين في حكم العدم أو ما يقارب ذلك”.
وللأسف الشديد، فالرأي العام عندنا مختل بل ويكاد يكون غائبًا عن مسؤوليته ودوره!