- قادري أحمد حيدر
(1)
الإهداء:
إلى روح الصديق الكاتب والباحث محمد ناجي أحمد النبهاني من شباب اليسار القومي (الناصري) يمني الهوى والهوية حتى سدرة منتهى الفرح ، قلم جريء وشجاع، يقول ما يعتقد دون خشية من أحد، يتحدث عن قرب مع السلطان وجهاً لوجه، كاتب وباحث يجمع بين الفكر السياسي والنقد الأدبي والتاريخي.
رحل مبكراً قبل الأوان، وما يزال الوطن بحاجة إلى مثل قلمه الجريء في مثل هذه الظروف التي تحتاج إلى مثل شجاعته وجسارته في القول .
رحمة الله تغشاك أخي وصديقي محمد ولأخيه أحمد ناجي وأسرته الصغيرة خالص العزاء والصبر والسلوان.
الإنسان في فعله الفكري/ السياسي التاريخي، هو من يصنع المفاهيم، من يهندس فكرة وقضية التقدم الاجتماعي… وبالعمل الخلاق ننتج المادة الجديدة/ العلم، وبتطور الفكر والمفاهيم في سياق عملية سياسية تاريخية وجدت وتخلقت فكرة “الوطنية”و “التحرر الوطني”، مرتبطة بمفهوم الوطن والشعب، ومع تقدم الفعل الإنساني أكثر فأكثر في صناعة المدنية والحضارة، كان الانتقال من الشعب، إلى الفرد/ المواطن المبدع والمنتج ( الإنسان باعتباره مركزاً للكون) ومن هنا بدأ تدريجياً تشكل معنى “المواطنة”.. فالفكرة الوطنية والقومية وجدت متوحدة ومرتبطة بالدولة الوطنية، وبتعبير أدق، بالدولة القومية، في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وبعد الحرب العالمية الأولى، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية تخلقت بصورة أعمق وأشمل فكرة المواطنة “المواطن الفرد الحر”، فظهرت مواثيق وعهود الأمم المتحدة، وبيانات “حقوق الإنسان”، المختلفة تعبيراً عن ذلك المسار التطوري في الانتقال من مجموع الشعب، إلى فردانية الذات، إلى معنى ومفهوم “المواطنة” في الصورة والصيغة المتداولة في الدساتير والمواثيق الدولية في تاريخنا المعاصر.
والسياق السياسي الاجتماعي لتطور الأفكار والمفاهيم في هذا الاتجاه ينطبق على جميع الدول والأمم والشعوب بدرجات متفاوته. والمنطقة العربية، واليمن في علاقتهما بمفهومي الوطنية والمواطنة، ينطبق عليهم جميعاً ذلك الأمر، فلم تظهر فكرة المواطنة إلا بعد عقود – إن لم يكن قرون – من تبلور وتأسس فكرة ومعنى الوطن والوطنية بدلالاتهما المدنية والحداثية المعاصرة.
ومشكلتنا في المنطقة العربية وفي اليمن تحديداً، أننا نحاول، عبثاً، أن نؤسس ونبني فكرة “المواطنة”, خارج شرط الحرية والتعددية والديمقراطية والمساواة ، ومن هنا تعثر مشاريعنا السياسية في بناء الدولة، وفي بناء دولة المواطنة على وجه الخصوص، وما نزال حتى اليوم واللحظة نعيد إنتاج عبر الحروب جدلية دولة “السيد” و”الشيخ” و”الرعوي”
وهي الجدلية النقيضة والمناقضة للجدلية الاجتماعية التاريخية،الجدلية المعكوسة والخطيئة،التي ما تزال تعيدنا “للذي كان”، حسب تعبير شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني ..حيث نجد أنفسنا دائما نعيد إنتاج جملة من الثنائيات القاتلة : السلام والحرب، السيد والشيخ، وبينهما الرعوي المستكين،وبالنتيجة يغيب عنا المضمون السياسي والاجتماعي والثقافي والوطني لايقاف الحرب!! فهل فكرة السلام ،وقضية الحرب/ الحروب نبت شيطاني دون مقدمات ولا أسباب شارحة ومفسرة لها؟
وهل يمكننا فهم، ونقض الحروب المأسوية في كل حالة على حده، دون بحث الاسباب والعلل، والقوى السياسية والاجتماعية المنتجة لتلكم الحروب،والنتائج المأسوية المصاحبة لها؟ ..ومن هنا الضرورة السياسية والوطنية والتاريخية لنقض الجدلية المدمرة،في صورة جدلية السيد، والشيخ، والرعوي،التي تمنع من عقود،إن لم أقل من قرون،وجود سلام اجتماعي وثقافي ووطني مستدام في حياتنا .
ومن هنا تكرار قولنا وتاكيدنا من أننا نريد السلام الاجتماعي والثقافي والوطني، سلام “الوطنية”، و”المواطنة”،السلام الذي يؤسس لدولة مواطنة وحقوق متساوية،تقف على راسه فكرة وقضية ” المواطنة/المواطن الحر الفرد المستقل”وليس نظم “رعوية”/ “جبائية”و” جهادبة”,،تقوم وتتاسس على الحروب، وعلى انظمة وسلطات المحاصصة المذهبية والطائفية والقبلية والجهوبة”,التي يتوهم البعض أنه من خلالها سيحل وينهي مشكلة السلام والحرب، ولم يتعض مما يجري اليوم في العراق الطائفي/القبلي والعشائري،والواقع تحت أكثر من احتلال !!،وما يراد له في سوريا ،وفي بلادنا .
إن نقض الحرب بالسلام المستدام،لن يكون دون فهم الاسباب والعلل القوى المنتجة لتلك النتائج المأسوية، وهنا مربط الفرس .
والبداية،نقض دولة العصبية،والمركز، دولة الفرد : الإمام، والشيخ، والرئيس ” المتجمهر”,الذي يتكئ ويتعكز على ذلك التاريخ السياسي والايديولوجي الاستبدادي .