- كتب: د. عبدالعزيز علوان
إليًَ وإلى من شاركني الأغنية البكالوريوس : ياسين محمد نعمان ، ومعين فخري
(متى وا راعيه شمطر ) إنها هي القصيدة الأغنية وأضيف إليها ( البكالوريوس)، لأنها هي من رافقت رحلتنا تلك في سنوات دراستنا الأربع ، وفي سكننا الجامعي بجامعة صنعاء، بها يبدأ نشاطنا التدريجي بالإقلاع إلى سماء المذاكرة ، وبها كان يشار إلى توجهنا السياسي.
عبد الباسط عبسي ، كان ينثال علينا بلحنه و صوته ، غيثا غدقا ، وهو يسائل الراعية بتأوه شبه مكبوت ، عن موعد المطر ، وكنا نحن في غرفتنا تلك نغادرها افتراضا ، نخرج مع أبناء القرى ، بين هذا المطر ، نتسابق مع السيل الذي يغمر الأحوال ، ونسبح في برك الماء ، ونلقى أنفسنا بعدئذ في أول مقيلنا اليومي .
فالراعية وإن اتخذت ( كسلمى ) رمزا للذات بشقيها ( المقدس الإلهي ، والمدنس البشري أو اتخذت رمزا لليمن او للثورة أو للقضية أو الإرداة) ، فهي كإنسان أقرب ما تكون بنظرتها للسماء ، من خلال إرتباطها الوثيق برؤوس الجبال كمرعى يومي لها، وبنظرة علوية على نظرات الذين يقبعون في وديان الانتظار .
تستطيع من خلال نظرتها، للسماء ، وتآلفها مع ألوان السحب ، أن تُفَرق بين السحب الممطرة بسواد لونها ، وتلك السحاب البيضاء التي لا يرجى منها المطر .ط، فإذا تبين السواد في تلك السحاب ، فإنها تحث غنمها على الرواح قبل مجيء المطر.
لذا لا غرابة في أن تتخذ المحمولات الرمزية الباقية، دلالة الارتفاع والسمو لهذه النظرة العلوية للسحاب من قبل الراعية .
لم يجد السائل سوى تلك الراعية ، في الجبال ، وللأسباب المذكورة آنفا ، فتوجه بسؤالها عن موعد نزول المطر ( متى واراعيه شمطر ) ، ولأنه لم يسمع صوت الرعد، يستأنف كلامه في نفي أن ( تقع ) مطره من غير رعود:
متى وراعيه شمطر؟
وما مطره تقع من غير رعود
يستمر في تساؤلاته عن تدفق مياه السيول إلى ( الأحوال . ج حول قطعة أرض خصبة ) ، مبينا سبب سؤاله ، بأنه في حالة تدفق السيول إلى الأحوال سيطرفهم بالكاذي أي سيزرع أطرافهم بالكاذي ، و وسيذراهم ورود، وهذه النباتات تدل على تبادل المحبة والسلام ، والأمان النفسي:
متى سيل الجبل شدفق إلى الأحوال..؟
وبالكاذي شنطرفهم ونذراهم ورود
ليس هذا فحسب ، بل إننا مع ذلك سنغرس في (الحويه = حوش البيت ) وهي المكان الذي كان يخصص بجانب البيت للزراعة ، بعض المتطلبات اليومية ( بسباس ، طماطيس ) ويأتي الفل والإزاب في مقدمة هذا الاستزراع .. كنوع من المشاقر ، التي تقطف وتضعها ا لنساء في خدود للزينة وبالذات فيما بعد العصر. تدل على راحة البال ، من خلال الانسجام العائلي مع تلك الروائح العطرة:
ونغرس بالحوية الفل والأزاب..
نقطف حينما شئنا مشاقر للخدود
يتوجه الخطاب، بعدئد للفت نظر الراعية ما يعنيه من معاناتها ، بقوله ( عليك ..قلبي تعب واصابه الضمور . ومن أجلك هام في وداي المنى الخصيب بأمانيه … (يسهن) يتوقع مجيئ شيء ما، ويتعذب من أجل ذلك ، ويظل مراعي (منتظر) نزول المطر دون جدوى فالسحائب المحملة بالمطر تتباعد وتتقرب، ومع هذا التباعد والقرب ( دلالة على استمرار الضمأ)، مما يجعله يشرب دمعته الحرى( الساخنه ) ، ولكنه لم يتشكى بحاله للقمر ، والقمر دلاله عن النور المنعكس من اشعاع الفكر :
عليك واراعيه قلبي تعب حتى ضمر
ولجلك هام في وادي المنى يسهن ويتعذب
مراعي والسحائب فوقه تتباعد وتتقرب
ويشرب دمعته الحرى ولكن ما تشكى للقمر
ومع هذا التقارب والتباعد للسحاب ، يصر الشاعر ( السائل ) على بقائه مع الراعية حتى يصل السيل الذي سيطفئان به ( الغل) شدة العطش ، وسيتغسلا بمياهه من أدران المتاعب أو لأوهام:
معك حتى المسيل يوصل..
نطفي الغل نتغسل
بعد مجئ السيل هذا الذي يؤذن ببداية الذري ، وعندما تكون التربة جاهزه للبذر فإننا ، سنبذر في الشعاب البر ، وكقفزة زمنية .. ( في تقديري قفزه على واقع امتداد الطريق بين البذر والحصاد ) سوف نتلذذ بالجهيش الأخضر:
ونبذر في الشعاب البر..
ونتغنم جهيش أخضر
من خلال ما سبق ، نلمس بوضوح تام صمت الراعية عن الاجابة ، ونرى أن الشاعر يتحدث معها بضمير الأنا الجمعي المستتر ( نزرع ، نبذر ، نغرس ، نقطف ، … ).
ممايدل على شدة التلاحم الجدلي ، بين الإرادة والفعل ، أو بين الفعل والفكرة ، وهنا سنكون ابتعدنا قليلا عن الرمز الانساني للراعية ، بعد إن استعارت الفكرة أو الإرادة الثورية ، من رؤية تلك الراعية ، علو ،وسمو الغاية والمقصد، لنخلص إلى :
استبعاد أن يكون الرمز دالا على المقدس الإلهي، وربما يعود للفكرة ، القضية ، الارادة الثورية لأن كل هذه الرموز تخلق أو تثير الأسئلة ، ولا تجيب عنها!!!