- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الاهداء: إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
الكتابة ، تكتبت بالحبر وكانت (الدواة والقلم الجرع واللوح ) هي وسيلة الكتابة قبل استخدام الورق والحبر ، ولكن هذا المكتوب كتب بسبب الضيق ، وأن سطوره مخطوطة بالدمع ، والغراء من الريق وليس من مادة ( صمغية ):
كتبت لك مكتوب قدوه من الضيق
الخط من دمعي وألغراء من الريق
هلا تقال للترحيب ، وهي موجهة هنا لمن (دق ) طرق الفؤاد ، بما هو عليه ، أو كامنا فيه ، من جوى الشوق والوجد ، ولظي اللهفة والحنين ، والنار الكامنة في مسماه ، وأضاف طرق بابه هو ، فاهلا وسهلا به ليس كحبيب ، وإنما سيدا للأحباب:
أهلاً بمن دق الفؤاد والباب
أهلا وسهلاً فيك يا سيد الاحباب
(شدفتني ) بمعنى رأيتني ، بنظرات عيونك ( الفواتر ) غنجا ودلالا ورقة ، وأسأل من الله أن يصونك ( يحفظك) ، حين تكون ظاهرا للعيون ، أو بعيدا عنها:
شدفتني باعيانك الفواتر
الله يصونك باطناً وظاهر
الميزر الذي تتمناه الأغنية هو البندقية ، التي كانت تستخدم في الأيام الخوالي في القرى للزينة ، ولذا تتمنى هذه الأغنية أن تكون بندق (ميزر) ، على قوام حبيبها ؛ وستكون طيعة له ومستمعة مستجيبة لكلامه :
يا ليتنا ميزر على قوامك
شاكون أطيعك واستمع كلامك
لعل معرفة المرأة اليمنية الريفية بمدفع الهون ، يعود إلى سماعها المتكرر للإذاعات ، بعد وصول الراديوهات إلى القرى ، أو كأنها ثقافة سمعية سمعتها ممن يعودون من المدن ، يحكون الأضرار التي تخلفها مدافع الهون.
وبالتالي. ، تحلف الأغنية بأن تأخذ حبيها من مطرح( مكان ) النوم ؛ حتى لو أطلقوا عليها وابلا من مدفع الهون هذا وربما تكون معاصره لبدء دخول التلفزيون ومشاهدة ما تخلفه هذا المدفع من دمار :
حلفت لا اشلك من مطرح النوم
لو يضربوني بمدافع الهون
الهجوم ، وقطع الطريق وإن كان، يُعد حرابة في المفهوم الشرعي ، فهو هنا ، ثأرا للقلب المتقطع نارا من ذلك الحريق الذي يقطع أوصالها ، إلى قطع متناثرة:
شهجم عليك واقطع عليك طريقك
قلبي تقطَّع نار من حريقك
( كلفتني ) بمعنى أجبرتني ، أهجم عليك (بآلي) نوع من أنواع البندقية ، وهذا الإجبار على الهجوم سببه ، ما ظهر من فتنة الملبوسات الذهبية ، من حلق ( قطب دائرية للأذن) ، وسلس منكسب على الصدر ، وشوالي يحوطان معاصم اليد :
كلَّفتني شهجم عليك بآلي
يا بو الحلق والسلس والشوالي
الهيام أحد نتائج التعلم الذي تعلمته الأغنية من (انت ) الذي تخاطبه الأغنية ، وليس هذا فحسب ، بل إنه أدخل هذه المتعلمة الهيامة ؛ بكل بحر ، من بحار الهوى مقدار قامة لكل بحر :
أنت الذي علمتني الهيامه
وادخلتني بكل بحر قامة
تسأل الأغنية من تراه في الطريق أن (يجنب) بمعنى ينحرف عن طريقها ، لأنه بحسنه قد (شل ) أخذ علقها أما جسدها فلا زال ( مُسَنب ) واقفا في مكانه عرض الطريق :
بالله عليك من الطريق جنِّب
شلَّيت عقلي والجسد مسنِّب
العين الطويلة لا تستخدم إلاٌَ لما يجرح أو يؤذي من النظرات ، ولذا تطلب هذه الأغنية بكل أدب أن يعمل معها (جميلة ) أي يتجمل معها ، ويقصر قليل ( يغض الطرف ) من تلك العين الطويلة التي تسبب لها أذى :
ليتك تساعدني تعمل جميله
تقصر قليل من عينك الطويلة
التاكسي لفظ معاصر ، و( عازم ) بمعنى التصميم على السفر ، وبالرغم من أن النداء موجه للتاكس ، فالمقصود به سائقه ، بأن (يُهَدي) يقلل من السرعة في ( الاروان ) المنعطفات ، حتى ( يحاسب ) يتجنب ( الخل ) الكحيل الاعيان ، وليس المحكل ، فكحل عينيه هو طبيعي ( خِلقة الله ) وليس مزينا بالكحل :
يا تاكس ياعازم هدِّي بالاروان
حاسب على خلِّي كحيل الاعيان
صنعاء اليمن ، تلك التي حوت كل فن ، تتوالى مناظرها . واحدا ( يدق) يتبع آخر ، ومن أصيب بعلة من حب أو عشق ، فدواه هو الأخضر ، يطلق الأخضر عى المرأة ذات الجمال النائل لونها للسمرة:
صنعاء اليمن منظر يدق منظر
يا من به العلة دواه الاخضر
الشكى لله ، يظهر في العديد من الأغنيات التي مرت بنا في القراءات السابقة ، هذا الشكى (للربي ) كما تقول الأغنية ، تتبعه بالتضرع لله أن يجازي( ينتقم ) من كل من تسبب في تعب قلبيها :
أشكي لربي والقليب مُتعب
الله يجازي كل من تسبَّب
خلف البحار تلك التي ، ذهب اليها ، الحاج ( الزوج ) ويأتي لفظ الحاج ، لطول غيبته هناك ، وأنه قد صار شيخا هناك ، وهو خطاب تأدبي ، ولهذ تصدح هذه الأغنية بأنه لابد أنه سيحتاج إليها ( زوجته ) … مها طال هجره لها :
خلف البحار واحاج في ساحل العاج
مهما هجرت لابد لي متحتاج
يا عطشي تقال عند الشعور بالعطش الشديد ، ولكن عطش الأغنية هذي ، ليس عطشا ماديا ( رغبة في تناول الماء ) إنه عطش من نوع آخر ؛ هو عطش للنهود الذين يشبهان الرغوة في بياضها ، ورقة ملمسهما:
يا عطشي ما بي عطش لقهوة
ما غير عطش لا ثنين كعوب رغوه
مكتوب آخر مكتوب بسطر حناء ، الصباغ الطبيعي الذي ما( يمتحيش ) بمعنى يظل أطول فتره زمنية حتى لو تعرض للماء :
عملت لك مكتوب بسطر حناء
لا يمتحي ولا يضره الماء
عود العسق ، هو العود الذي يحتفظ بحرارة توقده لفتره أطول ، ويقصد به هنا فترة الشباب ، ثم تلتفت الأغنية إلى مفارقه أخرى بالسؤال بصيغه كيف التعجبية الساخرة (للعجوز) يعشق ، ومواصفاته ، تبدو كاريكاتورية ، فالظهر قد آل إلى حلق دائرية و( أبو نمير) عظمه العصص ، ( تسقسق ) بمعنى غير ثابته في مكانها تتحرك شمالا ويمينا مع كل حركة:
عود العسق كيف العجوز يعشق
ظهره حلق وابو نمير سقسق
في عهد الملك فيصل ، بلغت الهجرة اليمنية إلى السعودية ذروتها ، وكان البريد أهم وسائل التواصل أنذاك ، ونرى هذه الأغنية ، تخاطب بريد اليمن ، ليقف قليل ( سنب ) ، ليأخذ هذ (الخط ) ، تطلق الكلمة على الجواب أو الرسالة ، وتتحدد مهمة هذا البريد أن (يشل ) يأخذ هذا الجواب ، ويقل لفيصل ( المقصود به الملك فيصل ) أن (يبند) يغلق الشغل كله ، حتى يتمكن المهاجر من العودة ، بدون أن تصرح الأغنية بالعودة:
يا بريد اليمن سنب لذا الخط شلِّه
قل لفيصل سعود يبند الشغل كله
يتبع…