- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الإهداء : إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
وصلنا في القراءات الثلاث السابقة ، إلى تبيان موقف أغنية المرأة ، في الريف اليمني ، من الغربة التي يشد اليها الرجال رحالهم ، وكانت عدن ، هي المحطة الأولى ، التي جاهرت الأغنية بموقف المرأة منها ، إضافة الى موقفها ، مما كان يرسل في تلك الاثناء ؛ من عدن ( البر ، وبعض أنواع الثياب ) ..
وفي أغنية أخرى ، تبين موقفها ممن ذهبوا إلى عدن ، مخلفين وراءهم الغواني ( ج. غانية وهي المرأة التي تكتفي بجمالها عن الزينة) ؛ وتقدم بيانها بأنها أحد هولاء الغواني:
ساروا عدن وفلتوا الغواني
واني من الجملة وذا بياني
وقد تُستبدل ( عدن ) ب ( الرياض ) في أغنية أخرى:
ساروا الرياض وفلتوا الغواني
واني من الجملة وذا بياني
مناطق السعودية بشكل عام كانت أهم المناطق الجاذبة للعمال اليمينين من فجر السبعينيات ، أو بالأصح منذ أن كانت تسمى أرض الحجاز ..
ولذا وصل الحال بهذه الأغنية أن تدعو عليها بأن يهدوها بالمجارف ؛ وهي أحد أدوات الاعمال الزراعية والبناء والهدم ( ازالة المخلفات ) ، والسبب واضح ، لأن الشباب شدوا اليها الرحيل وتركوا المكالف ( ج.مكلف المرأة) :
أرض الحجاز هدوك بالمجارف
شدوا الشباب وسيبوا المكالف
(الرياض) و(جدة) كانتا لهما النصيب الأكبر ؛ من العمال ، ولهذا تطلب الأغنية ، من أحد الذاهبين إلى هناك ، أن يقول للحبيب كم له فيهما من سنين :
زلوا الرياض وسافروا لجده
قل للحبيب كم له سنين ومده
تتمنى الأغنية أن تكون منطقة الخبر رجَّال ( بالتشديد تستخدم كمفرد ) سوف نشتكي به ( جاء الفعل بصفة الجمع ) اليه ، كأنه هو الخصم والحكم بتفريق المحبوب عن حبيبه:
ليت الخبر رجَّال شنشتكي به
من فرق المحبوب من حبيبه
أهل الرياض ، المقصود بهم ، المغتربون في الرياض ، وقد تطلق هذه الكلمة؛ لكل من يعود من السعودية ، الأغنية تدعو عليهم ؛ بأن يجعل لهم قنابل وهي (مفردة حربية ) ، والسبب في ذلك أن برد الشتاء ، لا ينفعه الكنابل ( البطانيات ) التي يرسلوها:
ياهل الرياض يجعل لكم قنابل
برد الشتاء ما ينفعه كنابل
وما زالت الأغنية ، مع أهل الرياض ، وهي تعبر عن رؤية نقدية ساخرة لهولاء العائدون من الرياض ، بأنواع العطور ، التي يعطروا فيها ( الدقامة ) الأحجار ، من كثر جلوسهم فوقها أو مرورهم جانبها ، كناية عن كمية العطر الكبيرة ، التي يرشونها ، على ملابسهم ..
وبعد انتهاء تلك الرائحة ، من هذه الأحجار ، يقولوا مع السلامه ؛ أي يعودوا للسفر مرة أخرى ، ( يومين ثلاث ) كناية ، عن قصر إقامة المسافر ؛ قبل عودته للرياض:
أهل الرياض يعطروا الدقامة
يومين ثلاث قالوا مع السلامه
البحرين جهة سفر أخرى ، والسفر محدود اليها ، ويكلف مبالغ كثيرة ، ولذا فإن الأغنية ؛ تصف الذاهب إليه بأنه رهن حوله ( قطعة الارض ) هذه الرهنية ؛ والذهاب ( السرحه ) إلى البحرين ، لا ، أجازها ( رضي عنها) . قاضي المنطقة ؛ وكلمة قاضي كانت تطلق على ما يسمى الآن بالأمين الشرعي ، وأيضا لم يرضوا عنها أهل المسافر:
يا سارح البحرين رهنت حولك
لا قاضي جوز لك ولا رضو اهلك
تضاعف الأغنية طلبها بمهر زيادة ، كغرامة مالية لعدم التزامه بفترة الغياب ، فالغياب الحقيقي ( سنتين) ، ووعوده لها (شهرين):
يا سارح البحرين سبر بمهرين
تغيب سنين واني تقول لي شهرين
سنظلم الأغنية الشعبية ، إمرأة ورجلا ، شقاء وسعادة ، لوعة وحنين . بقاء في مكانها ، وغربة حبيبها ( زوجها ) ، إذا قلنا أن الملاله كأغنية شعبية خاصة بالمرأة دون الرجل هذا أولا . أما ثانيا فهو الغرض الأكثر أهمية ، وهو المتعلق بالمغالات في المهور ..
فيما يخص الجانب الأول ، وبتحليل مدلول بعض الأغاني ، نجدها تخص الرجل أداءََ ومعنى مثل :
هذا حزامي وهذا ميزري
خلونا شسمر جنب الأخضري
يذهب ، كل من [ (عبدالله المخلافي ومسك هائل) ، في دراستهما التحليل الاجتماعي لما اعتباراه حوارية الرجل والمرأة ، في الأغاني الشعبية ، إلى وجود حوارية بين الرجل والمرأة في الأغاني الشعبية ، فإذا قالت المرأة في أغنيتها :
سنك ذهب ومبسـمك عقائق
ياليتني الساعة وانت الدقائق
أجابها الرجل:
قتلتني باعيانك البواحل
افدي الجَعَدْ والمرعف المقابل
العيون البواحل ( الواسعه ) حسب الباحثان.]
في تقديري إذا كانت هذه الحوارية ، صحيحة فهي من جانب التقابل ، في الموضوع ، الاً انها من وجهة ، ذات التقدير ، متباعدة زمانيا ومكانيا ..
تتخذ المرأة ، من حياتها اليومية ، بسعادتها ، وشقائها ، في الريف ، موضوعا لاغانيها ، وترتبط ( مكانيا وزمانيا) ، بفترات العمل الذي تؤديه ( حطبا ، رعيا ، جلبا للحشائش ) في الفضاء المفتوح ، وانينا مكبوتا في فترات عملها داخل البيت ،طحن الحبوب( بالماوره) ، وتنويم الأطفال ، و قطعا من الزمن الليلي ، تأوها ، وشكى. ، وتحسر ..
بينما ، ترتبط الأغاني الشعبية التي يؤديها الرجل بفترات ( مكانية وزمانية ) مختلفة، مثل التمشية في القرى ، صباحا ، أو المعايشة له في غربته ، وسنقطفت بعضا من هذه الجوانب التي تخص الرجل ..
يفتح الرجل باب غزل أغنيته ، للتغزل بلون إحدى الفتيات ، ويخصصها باللون ( الاخضري ) وهو اللون المائل للسمرة ، وبجعدها ( شعرها) الراوي من الزيوت ، مشيرا إلى أن هذه الملامح، سالبة ( آخذة) للعقل ، ولا يوجد مداوي ( طبيب ) لهذا الحال.
يابنت ياخضراء والجعد راوي
لا تسلبيش عقلي مابوش مداوي
السلام ، قيمة اجتماعية ، تنتشر من خلالها ، الألفة بين الناس ، وتجرى من بين يديه المحبة . وحين يطلب الرجل السلام من إحداهن ، يخصها ، بعلامة مميزة ، ( بيدك المحنا) والحنا معروفه في الريف اليمني كأحد وأهم مواد الزينة ، قبل دخول الخضاب الكيميائي ، أما غير السلام فهو ، تمن ليس أكثر ، بتشبيهه بتمر نجران ، وتسمى نجران حاليا بعاصمة التمور الجنوبية وهو من التمور عالية الجودة:
رد السلام بيدك المحنا
ياتمر نجران من جزع تمنى
المباسم ، أحد الأعضاء التي يتغنى ، بها الرجل ، مضيفا لهذا التغني ، ليت الملازمة ، لأن يكون ؛ نقش أو خضاب ، بأكف من يتغنى بها ، مع ملاحظة أن المرأة ، وبحكم طبيعتها العملية في الريف ، لا تتزين الاٌَ في المناسبات.( اعياد ، أعراس ، قبل وصول زوجها من الغربة استعدادا للقائه ) ، ويأتي هنا ذكر السنة كناية عن كثرة المدوامة:
وردي المباسم لي سنة ببابك
يا ليتنا نقشك والا خضابك
الظهور ( شَرَّف بمعنى ظهر ) ، من مكان عالي ، الروشان ؛ النافذة ، ( أحد دلائل الهوى المتبادل بين المحبين ، وطالما الحبيب في البيت ، فلا بد أذن يظهر مكشوف رأسه ، وهز جعده ، الذي يفقد عقل من يراه ، ومع ذلك يطلب من الآخر عدم انقاذه ، إذا أصيب بحالة الجنان ( ليس فقد العقل ، ولكنه شدة الهيام) :
شرف من الروشان يهز جعده
لاتنقدوني ﻻجننتوا بعده
وحين يجد الرجل نفسه في وضع ، بائس بسبب رَهن أرضه لمايسميه الدولة ، نظير عدم تسديده لواجباتها، وأن سلاحه مرهون لتغطية نفقة معيشته ، نتيجة لسوء أحواله يشاهده الناس ، يقلب يده بكلام شبه مسموع ، ويصفونه بالجنون ، ولذا يجاهرهم بحالته:
من قلب ايئده قالوا له مجنون
ارضه مع الدوله وسلاحه مرهون
أما الجانب الآخر ، الذي نود أن نلفت انتباه المتابع لهذه القراءات ، هو المغريات المالية ، التي تجاهر بها بعض تلك الأغاني.. مثل هذه الأغنية ، المطالبه لحبيبها، ، بأن يمسح دموعه ، إذا لم يكن لديه فلوس ، ويفسح لغيره :
حبيبي امسح دموعك امسح
ان به فلوس واﻻ لغيرك افسح
والمطالبة تيضا بعد الفلوس ، أو إن طريق الملفسين ، خلف البيت:
حبيبي من ان به فلوس عديت
واﻻ طريق المفلسين ورا البيت
ويلاحظ هنا مفردة ( حبيبي ) ، والتي ، قد لا تشير إلى استبعاد هذا واستبداله بذاك ، ولكن كما يبدو بأن هناك عائقا ما يعود لطلب الأب هذا المال ، في ظل التغالي في المهور .
أو انها ( حبيبي ) وردت من باب السخرية ..
أما الطمع الذي بدت به الأغنية . فهو واضح ، ويبدو أن الأغنية ، كانت بلسان أحد ادأفراد الأسرة ، أو بلسان الفتاة نفسها :
اهلا وسهلا لو معك ربابي
ولو مفلس لا تجيش جنابي
تنويه :
في القراءه السابقة، حين تطرقنا إلى أغنية:
غريتني اللاس والتملاس
طبعك شمات يا خزئي من الناس
ورد في شرح اللاس بأنه الكلام المليح ، وقد صوب أحد الزملاء معنى هذه الكلمة بأن (المقصود باللاس قماش يستخدم مشدة للراس ؛ غالية الثمن ) وبهذا المعنى يتلائم مدلول الأغنية ، وتتضح علاقة الملازمة بين ( اللاس والتملاس) شكرا جزيلا لهذا التصويب .
- عبدالله الخلافي . ومسك هائل تحليل اجتماعي لحوارية الرجل والمرأة في الأغنية الريفية (نصوص مختارة من ديوان الأغنية الريفية.. للمرحوم عارف الحيقي… موقع جوجل .
يتبع ..