- كتب: جمال حسن
(1)
تشكلت بدرجة كبيرة على الأغاني المصرية، ثم اتجهت بكل كياني للموسيقى الكلاسيكية الغربية،
سمعت الكثير من الأغاني اليمنية، كثير منها نلتقطها من محيطنا، بصحبة العائلة، وفي الشارع أو في بعض الجلسات. سمعت الكثير أيضا باختياري أنا، وشكلت ذائقة حولها، لا أزعم أنها جيدة جدا.. لكن ما أعرفه عن الغناء اليمني قليل مقارنة بما أعرفه عن الغناء العربي، والموسيقى الكلاسيكية. وكثير مما عرفته، دفعتني له الكتابة في مجال الموسيقى.
(2)
منذ صباي، عشقت مقام النهاوند، وهو مقام غير مستعمل في أغاني التراث اليمني. لم يكن بمقدوري، وقتها، التمييز بين المقامات، لكني اليوم حين أراجع أغاني عربية أستمعت لها قديما، أعرف أن المقاطع التي تولهت بها غالبا من النهاوند.
(3)
عموما لا تميل أذني للألوان التطريبية، ولست من عشاق ربع التون الشرقي، لست جيدا مع راحة الأرواح أو الراست، صحيح أن البيات مقام شرقي جميل، هو أيضا القرين الشرقي للنهاوند، شجي مثله. مع هذا لا أعرف، هناك ما يجعله مصطنعا وغير مستساغا، هناك أشكال مقامية عديدة تبدو ملفقة، أقصد التفرعات العديدة في المقامات الشرقية.
في الحقيقة، لست أصم تماما مع الموسيقى الشرقية، تطربني أيضا بعض المقاطع، لكن لدي مزاج قلق، ولا أحب الجانب المنوم في موسيقانا.
(4)
بصورة عامة لا توجد تنظيرات حول الغناء اليمني، وحتى نطور الغناء اليمني، هل نحن بحاجة للتخلي عن التعديلات على الدرجات النغمية المعمولة في الموسيقى والغناء اليمني، أي رفع أو خفض البيمول والدياز نصف ربع النغمة، لكن هذا ما يعطي الغناء اليمني خصوصيته. برأيي الشخصي في لحظة نحتاج لثورة على تلك الجوانب، لأن دقة النغمة كطنين معروف درجته هو المقياس العلمي لصوت الموسيقى.
وهي الدقة الصوتية، التي وصلت إليها الموسيقى الأوروبية، والتي تجاوزت موسيقانا العربية بقرون.
(5)
القفز على الواقع من المستحيلات، لكن علينا أن نبدأ في أقرب وقت. أن نؤسس لمضامين علمية
لوضع أسس علمية، من يملك القدرة عليه احتضان مواهب، المواهب أيضا تتشكل بما تتيحه البيئة، وكبار الغناء اليمني، نالوا مواهب كبيرة، لأن ما صنعوه في بيئة كهذه مدمرة تستحق الترحيل، لكن كيف نصنع بيئة أفضل للمواهب، يبدأ بتكريس تقاليد تعتمد على الإتقان التام في كل شيء، من العزف على الغناء.
(6)
ما وصلت إليه أوروبا كان نتاج عدة قرون، لكن تفوقهم يعود لاستخدام الهارمونية، والتي أصبحت قواعدها العلمية معروفة، طوروا آلاتهم بمفاهيم أوسع، وسأكون صريحا، لا أحب الآلات الشرقية كما الغربية، آلاتهم تنم عن مجالات صوتية أوسع، نفتخر أن الفيولين “الكمان” سلفها الربابة العربية، لكن شتان بين الآلتين، شتان بين البيانو والقانون، مع أن القانون آلة جميلة جدا، لكن البيانو تعتبر ذروة تطور مفهوم الآلة الموسيقية، وامكانيتها تتجاوز أي آلة أخرى، إذ بمقدورها أداء تآلفات موسيقية عدة.
اذا عدنا لصناعة أعوادهم، تميزوا بتعدد أحجامه وأنماطه الصوتية، مع هذا تخلوا عن العود لأنها آلة يقضي العازف ربع حياته وهو يزن اوتارها، أيضا في طرائق العزف، أستخدموا جميع أصابع اليد، على خلاف اعتمادنا على الريشة أو أصبع واحدة، وذلك يمنح الموسيقى ديناميكية، ويرفع مستوى التكتيك في العزف، أيضا طوروا المفاهيم وبسطوا المصطلحات الموسيقية فتطورت علومهم، وتطورت فنونهم.
(7)
نحن أكثر المجتمعات خوفا على العادة، فمازال بعضنا يريد الحفاظ على الزامل، رغم أنه شكل بدائي يأتي اليوم مشوها بألحان لا تمت له بصلة، يتم نقلها من هنا وهناك..
حين نحاول التمسك بفن بدائي، ليعبر عن هويتنا، يصبح مجالا رتيبا ومتطفلا على ألحان الغير.
الموروث قيمة انسانية لا يمكن اغفالها، فلنحافظ عليها لكن كما جاءنا، لكن في مجال آخر فلنطوره، علينا التعبير عن أنفسنا بسمات عصرنا، أو سنبقى محتجزين في زمن الأسلاف، لنبحث عن أساليب جديدة، تعبر عن شخصيتنا أيضا، أو لن نكون سوى إعادة تدوير نمط، أحيانا شخصي، أو تراثي، مطمورين بالقيود الجماعية، التي تنزع عنا فرادتنا.