- محمد فائد البكري
لا معقولية لمواجهة العنصرية بعنصرية مضادة؛ فهذا من شأنه أن يغرق المجتمع كله في وحل العنصرية.
ولأن الخطاب العنصري ينطوي على تنميط الآخر،وشيطنته وإدانته؛ فإن من أبرز المعضلات أن الخطاب المواجه له غالبا ما يُنشىء خطابا عنصريا.
وينشأ عن ذلك أن مواجهة الخطاب العنصري بخطاب عنصري مضاد، تعني تعميم العنصرية وتبريرها والتمكين لها.
في ضوء ذلك، تبدو دعوى الأقيال متوفرة على إرادة خلق جماعة عنصرية، وهي إن نجحت أو لم تنجح تشيع مناخا من البغضاء. وهذه الدعاوى تحت أي مبرر دالة على تدني الوعي وتنامي الغرائزية.
لو عدنا إلى التاريخ قليلا فسنجد أن تلك الألقاب( أقيال، وأذواء، وإكليلات…الخ)، ألقاب استعلائية مُعبِّرة عن تمييز طبقي في المجتمع اليمني القديم. وبدلا من اجترارها على عمى، يجب نبذها وتحرير الوعي الجمعي منها ومن مرادفاتها وأشباهها. ومهما قيل عن أن تلك الدعوات في مواجهة العنصرية السلالية التي يمارسها الحوثي ويستقوي بها، ويعمل على تنشيطها وتسويقها؛ فإن ما ينبغي ألا تتجاهله دعوى الأقيال أنها بفعلها هذا تسهم في التمكين لخطاب الكراهية وتنشيط غريزة القطيع، وإهدار قيم المواطنة وتدمير الحد الأدنى من قيم التعايش.
وهذا يجعلها على قدم المساواة مع أي جماعة عنصرية، سواء كانت سلالية أو مناطقية أو دينية أو ايدولوجية…الخ.
وبالنتيجة، يعني هذا أن الطرفين يصدران عن ذهنية واحدة، ويتواطآن على تعزيز الغوغائية، والتوطئةللعنف، وإقصاء التطلعات المدنية والحلم بدولة يمنية حديثة.
أما لو أخذنا الأمر على أنه في سياق تكتيكات الحرب؛ فإن دعوى الأقيال تحقق عمليا للسلالية الحوثية تبريرا لخطابها العنصري، ودافعا للاستمرار.
وتمنحها فرصة إظهار نفسها بمظهر المدافع عن وجوده، والمضطر لبناء هويته المتخيلة في مواجهة دعاوى استئصاله، وعندئذٍ يتساوى الفعل ورد الفعل.
وفي مكان ما، نتيجة لذلك ينشأ التعاطف مع دعاواه العنصرية لاسيما إن تم ترويجها في سياق أن تلك الجماعة أقلية تدافع عن نفسها، وتعيش في وسط مُعادٍ يستهدف وجودها.
ولعل أجلى ما في دعوى الأقيال أنها من الماضي، وتعيش على محاولة استنهاض شعورٍ ليس فيه ما يصلح للعصر، وهو ما يعني أنها لا تقل اغترابا عن دعوى جماعة الحوثي، وأنها لم تستطع أن تنتج خطابا للحاضر والمستقبل؛ فذهبت إلى الماضي لتستقوي به، وهذا منتهى الإفلاس.
وأعجب ما في دعوى الأقيال أنها لا تدري أن ما تحاول إحياءه من التاريخ الميت ليس أكثر من حالة هروب من مواجهة الواقع، ومن العمل على تغييره بأدوات العصر وبمفاهيمه، ولايمكن أن يتحقق عن هذه الدعوى المستغرقة في التحريض والتأليب والتهييج أي استقرار للوطن.
و لا يمكن أن يكون في مثل هذه الشوفينية الزاعقة علاج لمرض العنصرية.
وعلى أحسن تقدير إن نجحت دعوى الأقيال في مسعاها وحققت غلبة وانتصارا عسكريا، فإنها ستنتج دورات عنف أخرى.
ومن أوهى مزاعم هذه الدعوى أن تُغلّف عنصريتها بدعوى الدفاع عن الهوية، باستدعاء هوية غابرة، رغم إن تلك الهوية المزعومة لم تكن في زمنها أكثر من ألقاب تراتبية. ما كانت هوية،
وفي سياق العصر لا يمكن لها أن تتوفر على إمكانية أن تصير هوية حيوية.
وأقل كلفةً، وأكثر جدوى من هذه الدعوى، أن يتم الانتصار للتعايش والسلم الاجتماعي، من خلال إنتاج خطاب موضوعي يعمل على تفنيد العنصرية وتبيين مخاطرها، ورفع الوعي بحقوق المواطنة، وأهمية احترام القانون وحقوق الإنسان.