- كتب: محمد ااسروري
لعلي لا أجانب الصواب إن قلت أن رواية الأديب الكبير رستم عبدالله ( مدينة الموتى) .
هي أول رواية يمنية تحمل الطابع الفنتازي “الخيالي” على الإطلاق.. و إن بهذا التصور الشامل و الفرادة الأسلوبية ( المزج بين الخيالي الصرف و الواقعي الزماني و المكاني)
الرواية بفصولها السبعة و العشرين تقع بحجم ١٦٠ صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار فكرة بالقاهرة سنة ٢٠١٧م …
تدور أحداث الرواية في ثلاثة مستويات زمنية أحدهما عتيق و سحيق جداً../ عصر الحضارات اليمنيةالقديمة و أما الزمانان الآخران فمعاصران: أحدهما رهن اللحظة /فترة ثورات الربيع العربي كما يحلو للبعض تسميتها و الثالث يسبقه بحقبة زمنية تقارب الخمسين عاما / بعيد ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م.. هذا التقارب المقصود تتضح مراميه في السياق السردي…
تتداخل أحداث الزمنين القريبين مكانيا القرية المتخيلة في ريف محافظة تعز الجبلية و مدينة تعز و زمانيا ببعضهما. تداخلا يبدو معقولا.. و من ثم يرتبطان فنتازيا بذلكم الزمن السحيق بحيث يبدوان و_ كأنهما _ زمنا واحدا…/ و مكانا هو صحراء بيحان رغم بعدها الجغرافي إلاّ الارتباط تتقوى عراه بحبك سردي و سياق فني حاذق جداً..
تارة سحيق كله .. و تارة معاصر كله و تارة كأنه أحداث حقيقية و أخرى كأنه ضرب من الخيال المعقول في سياقه السردي ..
يخدم السرد فكرة رئيسة هي ارتباط الشعب العربي في جنوب الجزيرة العربية (اليمن) منذ الأزمنة الغابرة بأرضه و ترابها.. أيما ارتباط … ارتباط تختفي معه ملامح البشر بالأديم.. و هذا الإرتباط الواعي بأهمية هذه الأرض / الوطن و البصير تبعا لذلك بحجم الأطماع و الأخطار التي تحاك ضده من كل قوى الشر للإستيلاء على هذه الأرض… ليس هذا فحسب بل و استعداد الإنسان اليمني للدفاع عن أرضه بكل ما أوتي من قوة و مهما كان حجم الأخطار و مستوى التحديات و هذا ما أعجز الطامعين عن التسلط عليها و حتى صارت تعرف فيما بعد بمقبرة الغزاة ..
.. يخدم السرد كذلك أفكارا فرعية لعل أبرزها الجهل الذي تفشى في أواخر القرنين التاسع عشر و العشرين… و هو ما شجع القوى الطامعة المعاصرة أن تتخفى خلف مسميات و عناوين مختلفة لنهب خيرات هذه الأرض على كل المستويات و يبرز السرد نهبهم لموروثها الحضاري و الفكري… في صورة تنقيب واستكشافات
لتتوالى عمليات نهبهم في كل الاتجاهات…
و هم ههم من يقفون و راء سياسات التجهيل و إشاعة الخرافات و القصص المرعبة عن الغول و الحمل و النعش و إبرازها كأنها علوم مرتبطة بعلم الفلك /ظاهرةالتنجيم.. ووو… الخ
من تلك المقبرة التي يختفي بين ضلوعها مومياوات محنطة منذ غابر العصور دفن معها سر يدعو للتساؤل .. لماذا لا نكون بمستوى علوم أولئك الأقدمين…
~~لغة القص سلسة فصيحة _ عدا بعض المفردات العاميةو الضرورية فيشير إليها الكاتب _
يعتمد السرد على أسلوب التكثيف في تصوير المشاهد و كذا يعتمد عنصر المفاجأة كثيرا حتى تكاد تحبس أنفاسك…
تنتهي الرواية بانتصار قوى الخير على عناصر الشر و سطوع نور العلم على ظلمات الجهل و التجهيل… و معه سينبري اليمنيون اليوم لمقارعة الطامعين في خيرات هذه الأرض على كل شبر في ثراها المقدس و سيكون مصيرهم كمصائر سابقيهم… فليتعظ هؤلاء قبل فوات الأوان…
رواية تستحق القراءة بما أضافت للمشهد الأدبي من عطاء و إبداع و ثراء
ــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ