- كتب: ماجد زايد
لا أحد يمتلك قلباً يحتمل كل هذا:
فتيات نازحات بريئات بعمر وجمال الزهور يبتسمن لك في كل وقت وعيونُهن قد مُلأت بعالم من الأسى والويل، كل إبتسامة تُخفي ورائها حكايات من الحرب لا تُنسى.
هذه وحدها تجلب الجنون لك وأنت في أزهى نضوجك العقلي.
الله كم قتلتني تلك الإبتسامات !!
أحياناً أشعر وكأنني المتسبب في هذه الحرب اللعينة، أفكر في الإعتذار لجميع الموتى والمجروحين والنازحين والجوعى ولكن لا حيلةَ لي.
كل شيء يهون عدا إبتسامات البريئات في عمر الزهور.. لا أحد يمتلك قلباً يحتمل هذا.. لا أحد.
رساله من شذى ، نازحة من تعز :
انه عيد يا أصدقائي كيف أنتم ؟ كيف هم صغاركم ؟ كيف هم أصدقائكم ؟
أه يا أصدقائي لو تشاهدون أخوتي وأمي صبيحة عيدنا هذا.. جميعهم صامتون ودمع عيونهم يخشى من الأخرين ، الكل منهم يتظاهر بأن لا شيء فيه وعيونه تذرف الدمع بلا دموع.. ليس معنا شيء سوى الحسرة والادعاء بان كل شيء سيكون بخير .
كمال لا يتحدث وهو الذي لم يكن يتوقف عن الكلام والضحك ، صفاء تقول لي اليوم عيد يا شذى كل عام وأنت أختي يا شذى ، أمي تتصنع القوة وعيناها تهرب منا طيلة الوقت .
عيوننا تحدث بعضها وتقول :
زمان أين أنت يا زمان ؟
بيتنا أين أصبحت يا ببتنا ؟
أبي أين ذهبت بك السماء يا أبي ؟
أين أنتن يا فتيات حارتنا الصغيرات ؟
أين أنتي يا العابنا وشقاوتنا وضحكتنا الكبيرة ؟
أين أنت يا عيدنا القديم ؟
أين صرنا ؟ كيف أصبحنا ؟
لماذا يالله ؟
ما جنينا نحن ؟
لماذا يالهي لا تنتقم لنا ؟
نحن يا أصدقائي في العيد مجرد “دخلاء” لا نصيب لنا منه سوى صيته الجامع للجميع في مسمى سعادته وفرحته.. ليتك هنا يا أصدقاء.. ليتكم ترون العيون والشرود والحسرة..
رسالة من مواطن شردته الحرب:
من مواطن يمني نازح ومشرد ومعاق ويتيم ومقهور ومدمر ومسحوق وخائف موجود في كل مكان من الوطن يقول لكم:
أيها السياسيين
أوقفوا الحرب وفكروا في الحل ، ليس لشيء فقط لأجلنا ، لأجل الناس الذين تدّعون إنتسابكم إليهم ، لأجل المسحوقين تحت رماد أحلامكم الرخيصة والمبيوعة ، لأجل الوطن والخائفين.
الناس في الوطن ليسوا بحاجة الى التحرير والإحتلال ، ليسوا بحاجة الى الأوصياء والدين ، ليسو بحاجة الى الصمود والجوع ، ليسو بحاجة للحرية العمياء ، ليسو بحاجة الى المزيد من الكراهية ، ليسو بحاجة الى المزيد من الفقر ، ليسو بحاجة الى المزيد من الموت .
أتركوا الحرب لو تعرفون ما يعني الوطن والشعب الفقير.
تراجعوا لبعضكم وتقاربوا لبعضكم وأوقفوا قتلنا.
هذا هو الحل في البداية والنهاية وفي كل مرة تبحثون عن الحل ، هذا هو الحل.
أوقفوا كراهية بعضكم يا أنجاس الماضي والحاضر ، ليس لنا سوى تقاربكم يا أحفاد الشيطان المارد.
إليكم يا كل المنتقمين .. إليكم يا ضحايا الكذب .. إليكم يا ضحايا الخيانة .
فكروا في الناس قبل التفكير بالثمن المدفوع على مائدة المجهول.
فكروا بالناس قبل التفكير بالسلطة والجاه..
فكروا بالناس .. لا تصدقوا الكاذبين..
فكروا بالناس .. لا تصدقوا الأعداء الحاقدين.
فكروا بالناس قبل التفكير بغرائز قادتكم الإنتقامية..
أتركوا الحياة والهواء للناس في الوطن.
أتركوا الخبز والإبتسامة.
أتركونا نعيش
أوقفوا الحرب
- نازح أخر يصرخ من بعيد:
أنا من هذا الشعب المطالب بإيقاف الحرب كل يوم وكل ساعة ، الشعب المكابر في سبيل الحياة ، المتشوق للسلام ، الباحث عن الحرية والخبز .
أنا من هذا الشعب الكاره للسياسيين متملقي الأوغاد والكاذبين .. البائعين ذممهم وكرامتهم والهاربين بأنفسهم وعشيقاتهم.
أنا من هذا الشعب الواقف ضد مشروع التقسيم التفتيت الطائفي التعبيدي الكريه.
أنا من هذا الشعب النازح المظلوم الفقير الجائع المشرد ، أنا من هذا الشعب المقتول ظلماً وغروراً وتكبراً.
أنا من هذا الشعب الحر العزيز.
أنا من هذا الشعب الى ما وراء القيامة.
أُقَبِل كل جباه الواقفين لأجل الحياة القاسية دون إنهزام ، نازحين أو مشردين أو جائعين ، عِزازاً أباةً لا يخافون ولا يكذبون ولا ينكسرون.
قتلوه مشرداً..
تحت أنقاض هذه الحرب توجد المئات من القصص والأوجاع.
.خالد الصامت (16عام) أو روح شقيقهِ نجيب المدفونة مع ملايين الساعات من الوجع والألم والذكريات قد دُفنت تحت أنقاض الحرب، الله ما أقسى سفك الإبتسامات البريئة !!
حين جائت الحرب الى تعز نزح خالد مع أهله الى المخاء.. وفي المخاء قصفتهم الطائرات الحربية بإحدى عشر صاروخ، ليموت الكثير من الأبرياء، كان خالد أحدهم، مات خالد وترك لنا الكثير والكثير .
قتلتني ذكرياتك يا خالد.. شقيق خالد بينما يتحدث عن أأخيه.. الف رحمة على جمالك وإبتسامتك يا روحنا الحزينة، يا روح كل موجوع.. يا دموع الأمهات وذكريات أخيك عند كل صباح.
أزهقت الحرب حياتنا وأبتساتنا وكل هذا الجمال.
يالله كيف لنا طيْ هذه النظرات وهذه العينين.
أنا أسف يا خالد لأنهم قتلوك.
أسف لأننا لم نمت معك.
أسف لأنهم ظلموك ونحن ما زلنا لم نمت.
أسف يا وجع الحياة.
- يصرخ عالياً من أقصى المخيم قائلاً:
قتلوا أطفالنا في البيوت وفي الشوارع وفي المدارس وفي بطون أمهاتهم. كيف نتحدث !! كيف نصرخ !! كيف نقاتل !! كيف ننتقم !! كيف ننظر لمشاهد أشلائنا الممزقة !!
كيف يا بقايانا !!
هذه الحرب تجاوزت كل الحدود والأديان ، كل الأخلاق والقيم ، ليس فيها رجلاً واحداً يحمل ضميراً ، لم يتبقى لنا أي سبيل للنجاة ، أذا لم نمت بسلاحها وصواريخها سنموت جوعاً من حصارها..
قهرونا وأوجعونا حتى إنعدمت كلمات الأمل من حياتنا ، أصبحنا نازحين ومشردين نفكر كل يوم من سيموت منا غداً !!
أين نذهب !! كيف نبكي !!
- أخر يقول صارخاً بينما يشير بالصور من جواله:
شاهدوا هاتين الصورتين جيداً .. نموذجاً فقط من عشرات الصور ، من عشرات الحكايات ، لا بل من مئات المحارق التي صنعتها كل يوم الحرب بنا وبـ الأطفال.
لا يكفيهم أننا نموت جوعاً في الشوارع والطرقات والملاجئ والمخيمات ، لا يكفيهم أننا مشردين ونازحين وخايفين ويائسين ومعاقين وقتلى مدمرين ، لا يكفيهم ما يصنعهونه بنا منذ أعوام !!
لا يكفيهم قتل الشباب ومنع الخبز عن شعبنا وتدمير المستقبل وحرق أرضناً وحياتنا وكل شيء !!
الٱ يكفي الناس هروبهم ونزوحهم من بيوتهم خوفاً من الموت والحرب ليأتي هو خلفهم ويقصفهم في مخيمات نزوحهم.
هؤلاء الأطفال المنسيون جرحى محرقة إرتكبها الطيران الحربي في عمران بحق مجموعة من خيام البدو النازحين ، خيام اليمنيين المشردين ، قتل كل البدو في مخيم النزوح وبقي بعض الجرحى جُلّهم أطفال ، أطفال منسيين ، مثلي ومثلك ومثل كل المنسيين ، مثل أطفالك وأخوتي الصغار.
أي رجولة هذه !!
شاهدوا الصور ، شاهدوا الأطفال المغدوين !! الآ تشعرون بشيء حيالهم ، الآ تشفقون على بعضهم !!
الله يالله..
لم يعد في أجسادنا ما يقوى على الصبر !!
ما نصنع في زحمة هذا اليأس وهذا الظلم وكل هذا الكم من إنعدام الرجولة.
شائب من النازحين..
الشيخ الطاعن في السن ذو الظهر المنحني والشعر الشائب يقف بـ عكازته ورجلاه النحيلتين عند نهاية الممر , إقتربت منه , ثيابة جداً متسخة , أزعجني حاله الرديء , كان يقف ووجهه للجهة المغايرة ..
سلمت علية ..
لم يرد السلام , وضعت يدي على ظهرة وقلت له “موبينك يا حج ” , التفت نحوي وهو يمسح الدمع من عينيه ..
مابوش حاجه ..
لمو تبكي يا حج ..
قال : مات ابني الجريح بالعمليات؟
أنت والد الشاب أذاً . نعم مات , ربنا يرحمه , قل الحمدلله , لله ما أخذ ولله ما أعطى .
الحمدولله , قالها وعيناه تذرف ثم قال وصوته بالنحيب ممتلئ : “عادنا زوجتوه !!”.
ربنا يرحمة , قل الحمدلله يا حج , حق الله .
.
أواسيه وداخلي يتألم من شدة الموقف , تحمل يا ماجد ,, هكذا حدثت نفسي .
قلي يا حج مو اللي حصل :
ضربونا بثلاثة صواريخ وانا أرعي المواشي , شظايا القصف دخلين لمن داخل البيت لا داخل بطن أبني .
وعيالي الثانيين اللي بالسوق مانا داري مو جري لهم , والبيت مدري كيف قاهو .
دموعه لا تتوقف , يداه تحاول حجب الدموع بلا جدوى .
هذا واحد من الاف الضحايا النازحين .
الحزن الواحد..
في ذروة نقاش طويل بين مجموعث نازحين فيما يسمى برنامج تأهيل متضرري الحرب تحدث أحد الأشخاص بنبرة حزينة وقال:
هل رأيتم صور الأطفال القتلى في الدريهمي مساء الأمس؟! أربع أسر فقيرة من ال دحفش فروا من الحرب هناك ، فروا من الموت أخيراً بعد تمكنهم من الحصول على إيجار المركبة ، كانوا خائفين من الحرب يحملون أمنيات النجاة ، وهم في طريقهم الى النجاة قصفهم الطيران الحربي. .
32 قتيلاً ، 32 يمنياً ، منهم 22 طفلاً ، ماتت كل الأمهات مع أطفالها وسائق المركبة ، ماتوا وبقي الأطفال الجرحى يتحدثون بلا أدراك ، يبكون وأجسادهم ترتعش من الفاجعة..
ماذا فعلنا ليقتلوننا..
ماذا فَعَلنا يا أمي…؟
لم يا أمي ..
لِمَ يا أُمي قتلونا …؟
سأل الطفلُ جثة أمهِ بجوارِه.
دماء أطفال ضحيان ونازحي عمران وسوق السمك والثورة في الحديدة لم تجف بعد ، بحق الله والاسلام وما تبقى من ضمائر لم تجف دماء الأطفال بعد أيها المتحاربون.
ماذا نحكي أيضاً ، بل ماذا نقول ، أيها العالم متى يتوقف الملعونون عن قتلنا ؟؟
قتلوا الأطفال ومازالوا يقتلون الأطفال وسيقتلون الأطفال في حرب حقيرة أصطنعوها من اللآهوت فقط ليقتلونا ويدمرونا !!
نحن في موسم الحج ، نحن في العيد ، نحن في الشهور الحرم ، الحجاج يقذفون الشيطان هناك ، والشيطان يقتلنا هنا !!
خاتمة:
لا تبتسموا يا أطفال المخيمات.. فقط إرفعوا أصابعكم الصغيرة واهتفوا معي ..
نحن أيضاً نستحق الحياة .. نحن أيضاً نستحق الحقائب والمدارس .
نحن أيضاً أطفال .. نبكي ونلعب ونبتسم وفي ليالي كثيرة ننام جائعين .. نحن لم نشبع أي يوم .
م يتوقف أحد منهم عن الإبتسامة والفرح .. قلوبنا ايضاً.
النازحون هم أكثر البشر حنيناً للوطن..
ماجد زايد.