- عبدالرحمن الغابري
حكاية صورة ..
بعد أن شعرت أن مشاكل تُبيّت لي حسدا لأنني أذود عن بساتيني وحقولي كوني أكبر أخوتي الأيتام في القرية .. لقد تحول من كان لهم غيضا على أبي المتوفي إليّ أنا
لم أصبر على الضّيم أبدا… تصديت لظلم المدرسين الذين كانوا يجلدونني دون سببك، تصديت لمن كانوا يعبثون بزرعي وبساتيني الوفيرة بورود القرنفل والرياحين وأزهار النرجس.. عاقبت من سرق ثمار أشجاري.. التين والرمان واللوز والبرقوق.. لقد كنت قويا وشبلا لليث توفي مبكرا
لذلك أطلقوا علي لقب (العربجي)؛ والعربجي هو سائق القاطرات القوي ومفتول العضلات.. لا أدري كيف عرفوا هذا اللقب ومن أين أتوا به وريفنا لا يعرف السيارات.. سوى سيارة عامل الإمام التي تمر كل شهر ونصف نراها وهي بعيدة عن قريتنا. ونفرح حين يزمر العربجي ببوق السيارة المزدوج رغم أن لا أحدا في طريقه فقط يتباها ويعلن وجوده المتبختر .
أطلقوا علي لقب ( شر) وكم فرحت باعترافهم أنهم يهابوني وأنني فعلا لن أتوانى عن ردع من يؤذي أمي وأخوتي وزرعي ..
أبت أمي أن تتصدى لهم وحدها ومعها أخي الأصغر عبدالله
لذلك فضلت إرسالي للدراسة في صنعاء أنا وأخي الذي بعدي بوجود أخي الذي سيصبح دكتور فيما بعد هو من سيتكفل بإدخالنا المدارس ويرعانا …
باعت امي سمن بقرتها وبعضا من حبوب البن لكي تسلمنا مصروف الطريق وأظن أنها باعت العجل المولود قبل شهرين من سفري.. حزنت على العجل فأمي وأختي وأخي الأصغر هم بحاجة إليه حين يكبر سيحرث أرضنا في غيابي .
..
كنت أزور أمي بعد وقت طويل على غيابي وأقبل أقدامها
وذات زيارة قبل وفاتها أظن بعامين جلست بجانبها وهي تفطر كعادتها بخبزة صغيرة ولبن أحفاد بقرتها التي باعت عجلها لأجلي .
هبطت من الطابق العلوي لمنزل أخي الدكتور صباحا لأستمتع بوجه أمي ..
في الدرج كنت اغني لفناني العالمي المحبوب JulioI glesias أغنية بالأسبانية وأخرى بالفرنسية رغم أني لا أجيد الإسبانية سوى قليل فرنسية.. سمعتني أمي وأنا أشدو بتلك الأغاني.. أندهشت أمي لغرابة اللحن والكلمات الغريبة عليها وعلى لغتنا !!
قالت لي بصوت قوي معاتبة (ماهو هذا الجنان يا عبدو؟)
قلت هذه أغاني فنان أحبه
- أعذب أبليس يا عبدو قالت أمي ..
— (قالوا هذولا من الجن ابتعد عن الجن و قالوا أنهم بيشربوا الخمر .. أنت بتشرب خمر يا عبدو مثلهم وتغني من حقهم هذا الجنان؟ أعذب ابليس. يا عبده أنا أحبك فلا يخطفوك الجن عليّ). يا أمي هذا فنان عالمي أحبه كثيرا صوته يذكرني بأصوات رعيان زمان النقية وأصوات البلابل حين يغنين فوق شجر اللوز والكثير من الناس يشبّهوني به وبملامحه وحلق شواربه ووجهه .. - بالنسبة لشرب الخمر فأنا قد شربته وأرتويت وسكرت ولا زلت ثمل إلى الآن حليبك هو خمري وحديثك وحبك وحنانك يا أمي هو خمري أيضا أنتٍ أفخر خمر في الكون كله .
أبتسمت وتلفتت إلي باندهاش.. حينها أصبح عمري سعيدا
أنا وأمي عام 1997م