- عبدالكريم الرازحي
كان عبده صالح يقولُ لكل من يسألهُ عن سبب عودته من الموت بأنه لم يمت . وقال بأنه ومن دون ان يدري ماالذي حدث استيقظ مثلما يستيقظ النائم من نومه. ولم يشعر بأنه في القبر، وانهم قبروه، الابعد مُضي ساعات على صراعه مع كابوس التراب الجاثم فوق صدره .
كان يحكي قصته ،ويعيدها ،وبعد ان ينتهي من الحكي يقرعُ الباب ويقولُ بصوت باكٍ وحزين مناشدا زوجته لول :
-” انا فدالك يالول افتحي لي الباب انا بردان “
كانت القريةُ كلها قد استيقظت من نومها، وصعدت الى السطوح ،وكان أن ارتفعت اصوات تناشدُ لول شاهر ان تفتح له :
- “افتحي له الباب يالول حرام عليك.. هو زوجك، واب بنتك زينب “
وكانت البنت زينب ( عمرها عشر سنوات )هي الاخرى قد استيقظت من نومها، وراحت تبكي، وتصرخ بكل صوتها ،وتطلب من امها ان تفتح الباب لابيها : - “افتحي الباب لابي يمّا .. والله انه ابي.. قلبي يقول لي انه ابي.. افتحي له يمّا “
قالت لها امها تنهرها :
-” ابوك مات الله يرحمه وهذا اللي بالباب واحد ثاني “
قالت زينب وهي تواصل البكاء : - “الصوت صوته يمّا افتحي له يمّا اني فدالك”
لكن امها كانت ترفض وتصرُّ على ان زوجها عبده صالح مات.. وان هذا الذي يدق الباب شخص آخر يريدُبها شراً.
وبعد ان رفضت امها ان تفتح له الباب. راحت تتوسّل لعمها (مرشد )وتطلب منه ان يقنع امها بفتح الباب لأبيها : - ” اني فدالك ياعم مرشد قل لامي تفتح لابي الباب “
قال لها عمها مرشد مُحْتَداً :
-“انت بعقلك يازينب !!كيف اطلب من زوجة اخي الميِّت تفتح الباب لواحد غريب يدخل ينام معها!! “
قالت زينب :
-“مش هو غريب ..هو زوج امي.. وهو ابي.. وهو اخوك ياعم مرشد.. ولو انت خايف على امي افتح له باب بيتك يدخل يرقد عندك للصبح “
لكن عمها مرشد لشدة خوفه أنكر ان يكون الرجل الذي عاد من الموت أخاًلهُ. وقال يرد على ابنة اخيه :
-” من قال لك يازينب انه اخي!! اخي عبده صالح مات وقبرناه الله يرحمه”
قال عبده صالح وقد سمع رد اخيه مرشد : - “لوأخي مرشد أنكر إننا اخوه ،وأنكرت لول زوجتي إننا زوجها ، بنتي زينب مش ممكن تنكر اننا ابوها.
وصاحت زينب بكل صوتها وقد هزكلام ابيها مشاعرها : - انت ابي يابا.. احبك يابا.. مافيش معي غيرك يابا .
و تذكّرت زينب بأن جارهم عبد الستار كان صديق والدها وكانا لايفترقان كأنهما شخص واحد وقالت له وهي مقهورة من امها ومن عمها مرشد: - ياعم عبد الستار افتح لابي وخلُّوه يدخل يرقد عندك لا الصبح هو صاحبك .
قال لها عبد الستار -وقد سرت قشعريرة في جسده- : - “من قال لك انه صاحبي يازينب ؟ صاحبي عبده صالح مات الله يرحمه”
عندئذٍ لم يبق امام الطفلة زينب سوى البكاء تلوذُبه. ومن شدة قهرها وحزنها على ابيها انفجرت تبكي بصوتٍ مزّق قلوب اهل القرية. ولشدة مااوجعهم بكاؤها ارتفعت اصوات من سطوح البيوت تطلب من الفقيه سعيد ان يفتح له باب المسجد : - “يافقيه سعيد إعمل أجر وافتح له باب المسجد يدخل يرقد للصبح “
لكن الفقيه سعيد رد عليهم من سطح سقيفته قائلا : - الموت نعمة من نعم الله على عبده و خروج عبده صالح من القبر وعودته من الموت عقاب من الله لأنه كان لايصلي ولايعرف طريق المسجد.
وقال بأن قاطع الصلاة ملعون.. والملعون لايموتُ ولايحيا ..لاهو حي ولاهو ميّت .
وطلب منهم ان يتركوه لمصيره الذي اراده الله له ، وان يوصدوا ابواب بيوتهم في وجهه مثلما اوصد الله في وجهه ابواب الموت.
كان الفقيه سعيد بعد ان افاقت القرية كلها على الضجة التي احدثتها عودة عبده صالح من المقبرة قد صعد الى سقيفة بيته. وكان من عادته عند حدوث احداث غامضة، اوعند نزول مصيبة على القرية، انه يصعد الى السقيفة -وهي اعلى من السقف -كيما يتلقى كلماتٍ من ربه .وكانت جارته “كُعُودْ الرّامْ إذاراته يتهجّدفي سقيفة بيته تقولُ :
-” الفقيه سعيد بالسقيفه يتكلم مع ربي الله اعلم موقافي من مصيبه “
وبعد كلام الفقيه سعيد شعر اهل القرية بأن عبده صالح شخصٌ ملعون لايستحق ان يتعاطفوا معه. وحتى اولئك الذين كان ضميرهم يعذبهم شعروا بأنهم كانوا على حق حين أنكروه ،واوصدوا ابواب بيوتهم في وجهه. وحتى زوجته لول التي كانت تعيش حالة صراع مع نفسها ومع ضميرها شعرت بعد كلام الفقيه سعيد بأنها متصالحة مع نفسها ،ومع ضميرها، ومع دينها، ومع الله.
لكن فازعة بعد ان سمعت ماقاله الفقيه سعيد صعدت هي الأخرى الى سقيفة بيتها وعند نزولها من السقيفة نست كل ماقالته عن عودة الموتى بعد موتهم لأخذ زوجاتهم ،ونست انها اول من حذّر لول من فتح الباب، ونست كل شيئ وقالت تخاطب لول : - إفتحي له الباب يالول
قالت لها لول :
-“كيف افتح له يافازعة وانت قلتي لي لاتفتحيش!!
وقالت لها نساء القرية : - كيف هذا الكلام حقك يافازعة وانتي قلتي لها وقلتي لنا :
-“لوفتحت له شِتْقَنّشْها معه للمقبرة” !!
قالت لهن فازعة بأن الكلام الذي قالته عن عودة الموتى ليلة موتهم لاخذ زوجاتهم الى المقبرة هي (خَبَابِيْرْ )وكانت (خَبَابِيْر) تعني عند فازعة (أساطير) وشعرت النساء بأن ماجعل فازعة تناقضُ نفسها وتقولٰ كلاماٌ غير الذي قالته هو الوحي .
وكان الوحيُ الذي يتنزّل على فازعة حين تصعد الى سقيفة بيتها عكس الوحي الذي يتنزّلُ على الفقيه سعيد حين يصعد الى سقيفة بيته .