- يحيى الحمادي
إِذا ما صَحَا المَجنُونُ.. أَو نَامَ باكِرَا
فَمَعنَاهُ أَنَّ النَّومَ ما زالَ مَاكِرَا
ومَعناهُ أَنَّ البَابَ ما زالَ واقِفًا
على البَالِ, والنِّسيَانَ ما زالَ ذاكِرَا
ومَعنَاهُ أَنَّ الشِّعرَ نَادَاهُ باسمِهِ
ولا عَقلَ لِلمَجنُونِ كَي لا يُغامِرَا
ومَعناهُ أَنَّ الشَّوقَ زالَ انكِسارُهُ
وما أَعنَفَ المَكسُورَ إِن صارَ كاسِرَا
دَعِينِي أَقُلْ: “أَهلًا وسَهلًا” وبَعدَها
سَنَلقَى لِمَا قُلنَاهُ بالأَمسِ آخِرَا
دَعِينِي أَقُل:ْ “أهلًا جزيلًا” فَطالَما
شَكَرتُ الهَوى وَحدِي، وما زلتُ شَاكِرَا
ولُوحِي.. فَهذا اللَّيلُ لَو عَادَ خُطوَةً
إلى الخَلفِ.. لانشَقَّت سَمائي خَناجِرَا
وضُمِّي برِيشِ العَينِ رُوحًا كَأَنَّها
تَرَى كُلَّ ما تَخشاهُ بَثًّا مُبَاشِرَا
ولا تَقرئِي عَينَيَّ إلَّا ببَسمةٍ
فَإِني على الأَحزَانِ ما عُدتُ قادِرَا
أَلَم تَستَطِيعِي بَعدُ إِدرَاكَ قِصَّتِي
مَعَ الشَّوقِ؟! ما أَقسَى الحبيبَ المُكَابرَا
أَلَم تَلمَحِي يَومًا على السَّطرِ دَمعَةً
تُنَاجيكِ، أَو جُرحًا على الحَرفِ غائِرَا
أَبِالعَقلِ يَرضَى القَلبُ إِن كانَ عاشِقًا
وقد صَارَ حتى العَقلُ بالعَقلِ كافِرَا
أَنا الآنَ مَصلُوبٌ أَمَامِي كَدَمعَةٍ
تَحَاشَت حَيَاءً مِنكِ أَن لا تُبَادِرَا
فَلَا تُطفئِي بالدَّمعِ ما كان بيننا
فَكم ثَورةٍ فازَت ولم تُبقِ ثائِرا
دَعِي كُلَّ ما قُلنَاهُ بالأَمسِ جانِبًا
لَعَلِّي أَقُولُ اليَومَ شَيئًا مُغايِرَا
تَعَلَّمتُ مِن عَينَيكِ إِنكَارَ ما مَضَى
وإِنكارَ ما يَمضِي، وإِن كانَ حاضِرَا
تَعَلَّمتُ إِيهَامِي، وإِغرَاءَ لَوعَتِي
بمَا لَم يَدُر يَومًا وما كانَ دائِرَا
تَعَلَّمتُ تَكذِيبي، وتَصدِيقَ كِذبَتِي
وتَكذِيبَ تَكذِيبي.. وكَم كُنتُ ماهِرَا!
وأَدرَكتُ بَعدَ الشَّدِّ والجَذبِ أَنَّنِي
تَسَاقَطتُ مَعصُوبَ الجَنَاحَينِ خائِرا
وأَنَّ التي في القَلبِ لَيسَت قَصِيدَةً
وإِن قَلَّبَت كَفًّا وشَدَّت ضَفائِرَا
وأَنَّ الجُفُونَ الخُضرَ لَيسَت مَحَابرًا
أُعَزِّي بها فَقدِي, ولَيسَت دَفَاتِرَا
إِذا صَارَتِ الشَّكوَى لِذِي العَقلِ سِلعَةً
فَلَا بَيعَ لِلمَجنُونِ فيها ولا شِرَا
وإِن كانَ طُولُ الهَجرِ حَظِّي مِن الهَوَى
فَهَل يُفقَدُ الإِنسَانُ إِلَّا مُهَاجِرَا!
أَلَمْ تَقرَئِينِي بَعدُ يا مَن تَقَاسَمَت
حُرُوفِي, وأَلقَت بي على السَّطِر حَائِرَا
تَرَكتِ الذي يَهوَاكِ لا شَيءَ عِندَهُ
سِوَى الشِّعرِ، ظَمآنَ العَنَاقِيدِ عاصِرَا
لَهُ مُهجَةٌ لَو لَم يَعِدها بزَورَةٍ
لِعَينَيكِ.. لَم تَترُك لِعَينَيكِ زائِرَا
ولَولا سُؤَالٌ عَنكِ يَجتَاحُ صَمتَهُ
لَمَا لاحَ بَينَ النَّاسِ إِلَّا خَوَاطِرَا
إِذا لَم يَعُد شَوقِي لِلُقيَاكِ طاوِيًا
جرَاحَاتِ أَشعارِي.. فَمَا زِلتُ ناشِرَا
وما زِلتُ مَجنُونَ المَجَانِينِ باطِنًا
وإِن كُنتُ مَجنُونَ المُحِبّينَ ظاهِرَا
تُرِيدِينَ مِن مثلي التَّعَقُّلَ؟! ليتني
فَلَو كُنتُ ذَا عَقلٍ.. لَمَا كنتُ شَاعِرَا