- د. أحمد المخلافي
(1)
الإنسان كائن اجتماعي:
لا يحقق وجوده إلا من خلال نسج علاقات مع البيئة المحيطة (الطبيعة وبني جنسه)، إذ لا يمكنه الانفصال عن محيط العلاقات الاجتماعية.. فالأنا تتحقق من خلال التأثير المتبادل في العلاقات مع أنا الغير سواء سلباً أو إيجاباً.
(2)
الإنسان كائن عدائي:
والإنسان بصفته (كائن اجتماعي) لا يدرك حقيقة ضآلة قيمته كفرد، سواه هو.. لذا يظل في حالة نفي لمعرفته هذه ليكون همه وجهده منصباً على الاعتراف بقيمته الافتراضية من قبل أخيه الإنسان ليحققها على حسابه.. وهذا مبعث الصراعات الإنسانية منذ البدء وحتى الآن.. فقيمة الإنسان لا تتحقق إلا على حساب إنسان مثله، وبالتالي فلا يسلم شخصان بتعادلهما في القيمة، لأن كل واحد منهما يقيس قيمته من خلال الآخر.. وبالطبع فإنهما يحتكمان إلى القوة لتنشأ العداوات والحروب.
الصراع الإنساني لا يقوم على المصالح المادية فحسب.. بل على فرض مفاهيم المعنى والقيمة على الآخرين لتحقق مصالح مادية في النهاية.. ومن هنا تأتي أهمية الاعتناء بمفهوم المعنى وأنه تقدير إنساني وإسقاط فكرى إنساني على الأشياء.
(3)
الإنسان كائن واعي:
قبل تشكل الوعي، كان الإنسان قد افترض لذاته قيمة خيالية وهمية، وصدق هذا الافتراض، فأخذ يسعى لتحقيق ما افترض وجوده، بينما قيمته الحقيقية في الأصل لا تزيد عن قيمة أي كائن بيولوجي آخر ينمو ويموت.. ولكن امتلاكه للوعي جعله يرصد نموه وحركته، وتلك ميزته، بل معضلته في ذات الآن.
(4)
الإنسان كائن راقي وقوي:
إن الإنسان الأرقى الأقوى الذي دعا إليه (نيتشه) هو الذي ينتج المعنى والقيمة للأشياء والغاية منها، فيشارك الآخرين في صناعتها، ليس من إرادة الخضوع والضعف والتخاذل والمسكنة، وليس من موقع إرادة الهيمنة والسطوة.. بل من موقع القوى الذاتية المتحررة القوية الشجاعة، أي صياغة المعنى والغاية في دعم الحياة، وفي تعاطيه معها، ليجعل منها أكثر قبولاً، ويعيشها بروح القوة والشجاعة، بدلا من العيش بهذا الحزن والضعف والتدني.
(5)
الإنسان كائن له رؤية:
لا يمكن أن تتطابق رؤيتنا كبشر للأشياء.. فلا أحد منا يرى المشهد كما يراه غيره.. فالرؤية هنا تمتزج بانطباع وإحساس وموقف وظرف زماني ومكاني، فتتباين الرؤية بالضرورة من إنسان لآخر.. لذا يستحيل أن تتطابق رؤيتان.. ومن هذا المعنى يأتي القول: إن لدي رؤية ووجهة نظر.
كل صور الحياة في الأصل هي بلا معنى محدد.. فنحن من نعطيها المعنى من انطباعاتنا ثم نخزن كل صورة بانطباع كي يمكن أرشفتها في الدماغ.. فنحن لسنا آلة تصوير تلتقط الصور وتكتفي.. بل يرفق مع كل صورة انطباعاً حتى ولو كان بسيطاً أو غير مدرك بشكل واع.. فمثلاً تصورنا عن الجمال هو تصور ذاتي تقديري نسبي ومتباين.. وهنا يمكن أن تتوافق تصوراتنا مع مفردات جمالية بشكل نسبي.. لسبب جوهري، هو لأننا أصحاب تكوين بيولوجي واحد، وبيئة اجتماعية وثقافية متقاربة.
(6)
الإنسان كائن يخلق المعنى والقيمة للأشياء:
المعنى هو نتاج أحاسيسنا ومشاعرنا وانطباعاتنا العاطفية ونوازعنا الداخلية التي نسقطها على الوجود المادي لنتصوره كما نريده نحن، فنعطي له طابع خاص ومعنى وقيمة..
فلا وجود يحتوى على معنى في ذاته.. بل نحن من نمنح المعنى للأشياء.. فمثلاً: الخير والشر حزمة من المعاني والتقييمات أبدعها الإنسان وأعطى لها معنى.. فلا يوجد شيء اسمه خير أو شر في ذاته بل تقييمات بشرية لمجموعة من السلوكيات وفق ما تجلبه من منافع ومضار.
إن كل المعاني والتقييمات هي فكر إنساني محض، ولا يوجد في الأشياء والموجودات أي معنى خاص بها ومستقل عنها.. ومن هنا ندرك أن مفاهيماً وأفكاراً كالخير والشر.. والقداسة والنجاسة.. والحق والضلال، إلخ.. هي مفاهيم غير موجودة بذات استقلالية عن وجودنا، فهي إبداع وتقدير وتقييم العقل البشري.. وبدون المعاني التي يختلقها العقل ويسقطها على تلك الأشياء فهي ليس لها أي وجود بذاتها.