عبداللطيف الزبيدي
ماذا لو أضافت الدول العربية الإنتاج الفنيّ الهابط إلى قائمة الإضرار
بالأمن القوميّ؟ لعلّ السؤال مبالغ فيه، من قبيل كسر الجوزة بفأس، وقتل بعوضة
بمدفع، مع حفظ الألقاب الفنيّة. الذوق العام ومعنويات الشعوب في نظر الانهيارات
الفنية السائدة، تشبه حمار الحيّ والوتد:”هذا على الخسف مربوط برمّته.. وذا
يضام فلا يرثي له أحدُ”.
الجهات التي تتحمل مسؤولية ترك هذه المخلوقات منفلتة من عقالها من دون
مقاليد وضوابط، تنحصر في أوساط الإعلام والثقافة. هذه تتذرّع بأن العالم العربي في
حاجة إلى حرّية الإبداع. حسناً، لكن إذا بدا أيّ عمل مرئيّ أو مسموع أو مقروء،
نشازاً سياسيّاً، فوراً ينطلق اللجام، ويوضع له حدّ وأمّه هاوية. أمّا أن يكون
العمل مشوِّهاً للفن، مخرّباً للذوق العام، مستهتراً بالقيم العامّة وتربية
الأجيال، فهذه من توابع الحريات، وزوابع تنوّع الإبداع، بل هي فوق ذلك تعبير واقعي
تجسيديّ عن الانحطاط بالانحطاط، والسقوط بالسقوط، والانحلال بالانحلال. قد يرى
المشاهدون أن الفضائيات تعرض أحياناً مسلسلات لا تربطها صلة موضوعية بالبلدان
العربية وحياة مجتمعاتها، وهذا الظن دليل سذاجة المنتقدين لماذا لا يخطر على بال
الأبواب العالية العربية السؤال: ما دلالة الانحدار السحيق من القمم الشاهقة: محمد
إقبال، السنباطي، أم كلثوم، وشوقي، محمد عبد الوهاب، وسعيد عقل، الرحابنة، فيروز
إلخ، إلى صفر شعر، صفر تلحين، صفر أداء؟ شيء عادي أن يداس ذوق مئات الملايين. أن
تحرم الأجيال الصاعدة رموز الذوق الرفيع لتنمو مطامحها على حبّ أوطانها كمناهل
للجمال والتألق وتحقيق المآثر والمفاخر. القضية واضحة: إذا لم تكن للمعنويات أهمّية قصوى، فلماذا تسعى الجيوش في الحروب إلى
ضرب المعنويات قبل القلاع والحصون والمنشآت؟
لزوم ما يلزم: النتيجة العقابية: لا حاجة إلى اعتقال أهل الهبوط
الفنيّ، فحين تشرق شمس الإبداع، تختفي مصّاصّة دماء الذوق.
صحيفة الخليج