- عبدالملك الحاج
شعر محسن بالرعب عندما لامست قدميه ذلك الجسم الرطب، انه يرتعش من شدة الخوف، يقترب المغبش من محسن ثم يسلط الضوء على المكان الذي تقف فيه قدميه، وهناء كانت الفاجعة انه ذلك الشاب الذي شاهده محسن في السيارة العسكرية قبل قليل، يا لها من لحظات مخيفة ومرعبة…
محسن:
يصمت قليلا وهو يرتجف من الذعر فيحتضن المغبش وهو يقول:
انا فدالك وَ خال لو ما هتبك الباري لا عندي الليلة، اكفاتنا ذلحين مقشوع جمبه.
المغبش:
اتحقق لوجه الوليد خينه اشتعرفه.
محسن:
قهري على شبابه صورته بن ناس كاننا شعرفه، يصمت محسن قليلا وهو ينظر الى وجه الشاب القتيل، يقف ثم يخبط بيده على رأسه ويقول:
والله انه هو وا مغبش.
المغبش:
منه يا محسن عرته؟!!
محسن:
امس بعد الظهر طلب القايد العقال والمشايخ كنت انا معاهم كنا كلنا مخزنين بالديون حق القياده نتني لزهرة لما يجي.
المغبش:
منه زُهرة زوجت خالك عبده!!
محسن:
القايد بسمه زُهرة، كان هذا الوليد جالس بالزوة طلب حبة سجارة والشيخ اندى باكت اودي له، قلت له لمه انت اونه قال مسكونا وانا واجي من عدن مروح الاعبوس، قالوا لي انت من اصحاب الحربي قلت لهم لا.. قالوا تعال معانا والان جالسين يحققوا معي.
الله على وليد محترم وشخصية، يُعرف انه متعلم بالجامعات.
المغبش:
مو حصل بعدها!!
محسن:
دخل القايد الديوان وشافه جالس، اقتلبة صورته، وصيّح وعبلق على العسكر وقال لهم:
من ادى هذا لا هانا يا بقر، انتو طراطير يالله شلوه ونزلتوه للزنزانة الان.
المغبش:
عاده بعز شبابه الله لا رحمهم.
محسن:
كه اتشيف ما يناهفش، مدري لو عاده يكون به عرق يوذح.
يحاول ان يتفحصه المغبش ثم يقول:
شكوا ظهره بقرن رصاص، منينه عاد شناهف.
ينحني محسن ثم ينظر الى وجه الشاب القتيل ويقول:
قهري علوك .. يكون قلب امك الان يثرب مثل المافي، الله يجعل لهم قتلة بغفلة، هذم مش اوادم لا بهم شفقه ولا رحمه يشتوا يديولوا بجزر الناس وقتلهم.
المغبش:
اجي نعاين من اين سحبوه من جناب الرصده، هااااااا.. الخشار ذاهن مذرذرات، ضربه من هذا المكان.
محسن:
اونه دم كثير وفي ثور سحباب الجزمه حقه، طحطحوا الزرع ودخلوه لا وسط الجدله، وكبنوه على وجهه مثلما هو بمكانه.
المغبش:
الطلقات من الخلف، دخلين من الظهر وخرجين من الصدر.
محسن:
هيا يا مغبش قمنا نروح لعا يرجعوا العسكر ويحصلونا شعملوا لنا من طلقتين، ولا شضيعونا ولا عا شلقوا لنا طرف.
سير ارقد عندي بالبيت للصبح، انا ركبي مع يحملناش يعلم الله يوصلنا للبيت والا لا.
المغبش:
اين اشتروح انت بعقلك!! الان تسير جناب الشيخ والعقال تقلهم باللي وقع وهم يحنبوا.
محسن:
انا وانت نسير سوى والله ما فرقتنا بنانه.
المغبش:
انا خلينا على جنب لا من شاف ولا من دري وحسك عينك يجي اسمي على طرف لسانك شقولوا انا وانت اللي قتلنا الابن، لكن انت مكلف بالحراسة سير خبرهم باللي وقع وانا شاجي معك بس من بعيد لا بعيد.
في هذه الاثناء يخرج لهم من رون الجبارنه بصوره مباغته ومفاجئة احد المجانين طويل القامة يضع فوق رأسه بطانية سوداء تصل الى اسفل قدميه.
فزع محسن ثم انطلق بسرعته القصوى باتجاه دار العقبة وهو يقول:
اعوذ بالله من الشيطان الشارد، والمرد المارد، وعظروط المقتول لو قام يكارد.
كان المغبش يتبعه ويناديه:
هذا مجنون ومحسن.
الا ان محسن من شدة فزعه والخوف الذي سيطر عليه لم يعد يسمع شئ ولم يتوقف الى امام دار العقبة، كان الوقت متاخر والليل قد تجاوز منتصفه، فاخذ محسن يدق الباب وينادي للشيخ، يطل الشيخ هزاع من شرفة الدار ويقول:
منه هذا اللي يدقدق اذي الساع؟!!
محسن:
انا محسن.
هزاع:
مش وقتك يا محسن خلينا ارقد لي.. قم سيرلك والصباح رباح.
محسن:
اينه اروح وا شيخ والله ما اتحلحل الا لما تنزل.
هزاع:
اقولك اغضب ابليس وقم ازعف من دجاهي خيرة الله علوك.
محسن:
في مصيبه كبيره وقعت ما تستحملش للصبح.. انزل فيسع.
ينزل الشيخ هزاع ويفتح باب الدار، يخبره محسن بما جرى فينذهل الشيخ من هول ما سمع، يذهب الشيخ هزاع الى الداخل ثم يعود متردفا رديفه وممسكا باحدى يديه عصاته وفي الاخرى يحمل الفانوس ويخاطب محسن بالقول:
هيا اخطي معي اشنسير لا رأس القرية نخبر الحاج محمد منشان يطرقنا كيف نعمل بهذي المصيبة اللي وقعت على رؤوسنا…
بعد وصول الشيخ الى منزل قال له الحاج:
خير.. مو قا حصل؟؟
الشيخ:
مصيبه يا حاج لاهي بالبال ولا بالحسبان، مقتول بشعبة الجبارنه.
الحاج:
ريض يا شيخ هزاع واستضي، اشربوا قهوة.
الشيخ:
محسن شخبرك كيف وقعت الوقيعة.
بعد ان افرغ محسن شربه من الماء وجمنه قهوة حار الى جوفه قام بسرد ما حصل بالتفصيل.
الحاج محمد:
الان اجمعوا عشرة مسلحين يسيروا يترسوا جنب الجثه ولا يخلوا نافخ يقرب منها كان من كان، والصبح نجمع كل العقال والاعيان وسرنا جمعه لا هناك نتوالي ونبلغ القيادة، القايد يشا يطحن الناحية طحن، عمل عملته ورسمه سوى وذلحين يشا يدرج السلية بطيز الثور، من سب يرجع يقول ثوركم اتبنى والولاد وقع عندكم، ثم يوجه كلامه الى الشيخ ويقول:
محسن يضيع ويختفي ولا يظهر الا وقت الضرورة.
صباح اليوم التالي يجتمع مشايخ القرى المحيطة بالجبارنة ويتجمع الاهالي وبعد التشاور تم تبليغ القيادة بالحادثة.
يتحرك قائد القطاع بعد ان تم تبليغه الى مكان الحادثة هو وحراسته وعدد من ضباط المواقع.
القائد:
المشائخ والعقال هم الذين سمحوا بحدوث هذه الجريمة الشنعاء، عاد اجلع عيونهم، المخربين بيباتو يتمشو بالمنطقه بعلمهم ولا يبلغوا.
الشيخ:
نحن عملنا اللي علينا وخلينا المواطنين يحرسو يا فندم.
القائد:
اين هي حراستك اسكا قولي، لو به حراسة ما حصل اللي حصل، الان تتحرك اطقم لجميع الناحية اشتي المشايخ يوصلوا كلهم، كيف قتل مقتول بجنب الموقع العسكري وما بندراش بشي، ثم ينادي للجنود الموجودين ويقول:
عساكر يالله اجمعوا كل الاعيان والعقال والمشايخ والمشتبهين من المخربين ودخلتموهم الزنزانه الان وقيدتموهم من اثنيين قيود.
في ذات اللحظة وبشكل مفاجئ يخرج (محسن) من بين الزرع في وسط الجدلة من الجهة الخلفية لجثة الشاب المقتول وينط الى امام القائد والعقال والمحتشدين ويخاطب قائد القطاع بالقول:
و فندم هذا (ويشير باصبعه للشاب القتيل) كان معك ليلة امس بالسيارة حقك الساعة عشر ونص بالسوى والتمام.
تتغير ملامح صورة القائد ثم يرد بالقول:
ما بتقول يا خضعي، باين عليك واحد من القتله.
الحاج:
يا فندم انتم كلفتمونا بالحراسة وهذا هو المكلف امس بالحراسه بهذا المكان، وكثير من اللي مروا بالليل يشهدوا، ثم يقول لمحسن:
فهم القائد وذكره بالذي دار بينكم.
محسن:
مسرع نسيتنا وَ فندم انا اللي كنت احرس برون العظروط ووقفتوكم انت وخبرتك وانت كنت تسوق السيارة، وعاده بالامارة قلتلي لما ترجع اشتندي لي “بندق جديد لنج” واذه الابن المقتول كان معاكم.
القائد:
يرتبك امام الجميع ويشعر بانه قد افتضح امره، ثم ينظر بنظرات غاضبة باتجاه احد ضباطه المتواجدين معه، ويوجه كلامه للمشايخ بالقول :
ذلحين مش وقت سيرو ادفنو الجثة وبعد الظهر عا نلتقي بالقيادة نتجابر ونحقق بالموضوع.
احتشد المواطنين الى شعبة الجبارنة من جميع المناطق لتشييع جثمان الشاب المقتول حيث تم نقله الى مقبرة الطواحين في حصن الهجر بسيارة لاند روفل حبة ونص يملكها عبده فرحان صهير المغبش.
تجمعت جموع غفيرة من ابناء المنطقة خلال ساعتين، وتحرك الموكب الجنائزي الكبير نحو المقبرة، واثناء التشيع كان الحزن الشديد يرتسم على المشيعين، لقد كان الجميع متعاطف مع الشاب الشهيد على الرغم من انهم لم يتعرفون عليه، لكن ذلك كان تعبيراََ احتجاجياََ لقتله بتلك الطريقة البشعة والغادرة.
تم دفن الشاب القتيل بتلك البدلة التي كان يرتديها اثناء مقتله وهى عبارة عن بنطلون وشميز نصف كم وجزمه تصل الى منتصف الرجل كونه شهيد، وتم موارات جثمانه في مقبرة حبيل القطينة التي تقع خلف اكمة القصاص وكتب على قبره (قتيل الجبارنة المغدور).
في المساء يتوجه محسن الى ذراع الابل ليسمر هناك على سطح منزل المغبش..
المغبش:
لمه ما غفيت يا محسن صورتك قي مصفر ترحم.
محسن:
منين شجي لي نوم، اجي شغمض عيوني وشفت صورة الابن بين عيوني وفزيت.
المغبش:
مو اللي يفززك.
محسن:
شجلس اتفزفز طول عمري.. ما شنسي هذي الليلة لما اموت.
يضحك المغبش ثم يقول:
مو الخبر؟!
محسن:
كانوا شطحنوا البلاد طحن.
المغبش:
ما اتخبرت من اين هذا الابن.
محسن:
الا يقولوا من (الغليبة) مزوج ومعه بنية طلع من عدن وكان قده بـ(الزربي) وواحد من المطابزين طبز به.
المغبش:
منهم المطابزين وَ محسن؟!!
محسن:
الجوع والمُلَوّي والعيوي والسجساج…. اثنين يتسرسروا من الزربي للمفاليس.. واثنين من الراهدة لا الشريجة…. ما معاهمش مهرة غير السعسعة والمطابزه.
المغبش:
تقول العبسي مو هو الذنب اللي عمله لما قتلوه.. هل زقروا علوه تهمة.. والا مو هو عسى الله الجُرم اللي عمله.
محسن:
لو كان عمل جريمة تستاهل قتله ما شخرجوش نص الليل يقتلوه واليوم الثاني ينكروا عملتهم.
المغبش:
اقولك بُه سر مخبئ.. والا لمه القايد خرج بنفسه وما خلاش خبرته يعملوا العملة.. ونمه عملوا العملة الا عندنا بالجبارنة.. القصة عاده مش هي.. بعده خبر وعلم، واصحاب المقتول مو تحسب شسكتوا ذاهم مذرذرين بالجبال والقرى.