- عبدالملك الحاج
مرت ثمان سنوات على قيام جمهورية الشمال واربع سنوات منذ اعلان الاستقلال في الجنوب وقيام الدولة الديمقراطية، في الشهر الثاني من السبعينات عاد المغبش من عدن، وخلال تلك الفترة وصل التوتر بين نظامي الحكم في شطري الوطن الى اوجه، السلطات الشمالية الزمت المشائخ والاهالي في مناطق الاطراف بالحراسات الليلية على طول الشريط الحدودي لمنع دخول المسلحين من الجنوب الى مناطقهم.
في الليلة الاولى من الحراسة كان (محسن) ياخذ مكانه بين (صبلي العظروط والمرد)، فقد افترش مئزره ووضع مشدته على حجر ليتكى عليها في احد الاسوام الكبيرة في ذلك المكان، فكان يقوم بتفتيش المارة (حمير الحمارة وجمال الجمالة) والسيارات التي نادرا ما كانت تمر ليلا الى مسافة قريبة بالوادي.
كان القمر في تلك الليله مكتملاََ والسماء ملبدة ببعض الغيوم التي سرعان ما كانت تتبدد لتعود مرة اخرى من جديد، الهواء بارد بعض الشيء لهطول الامطار الغزيرة التي تساقطت عصر ذلك اليوم، فالارض مشبعة بالماء والزرع يترنح بالاحوال فمنه من تفرجم والبعض لايزال يتبرعم، وهناك من فتشت فراجمه محاجين وسبول انه يخوض مرحلة التحول الى طور (الثامرة او اللحام) لكنه لم يصل بعد الى مستوى النضج.
المكان يسوده الهدوء المخيف تخترقه بين الحين والاخر نقنقات الضفادع وصرير الحشرات او ذاك الصفير الذي يصدر من بعض اذيال الافاعي، والترنيمات الحزينه التي تصدح به الهميمة) او تلك المقطوعة الموسيقية والمعزوفة الجميلة التي يعزفها النسيم المنسنس على اوراق الزرع في الاحوال المجاورة.
يقوم محسن بتفتيش الماره العائدين من الراهدة سيراََ على الاقدام وكذا الحمير والجمال والمقاوته المتوجهين الى عدد من مناطق الناحية، وبعد ان جمع محسن الكثير من القات المخلوط من جميع الانواع، عاد الى مكانه لكي يخزن بذلك القات الذي قام بجمعه، وبجانبه كوز الماء وكتلي ممتلى بقهوة البن، فيمضع العديد من اوراق القات ويشعل حبه سجارة ويضعها في يده ويظل في مكانه ينتظر القادم، فيمر المقوت (الصوال) بحمارة قادما من الراهدة وعندما وصل الى جوار محسن اوقفه وهو متكى في مكانه وكان محسن قد عرف بان هذا القادم هو الصوال من خلال صوته فقد كان يدندن بالزامل…
- لا لقيت البرحي.. قُله حي..
لا لقيته يقشع.. قُله سع. - محسن:
حيثك ولا حركة.. من بالليل. - الصوال:
يا الله الليلة.. مو قا معانا. - محسن:
بلا لقافة قول لي..
منو انت فيسع قبل ما اماسيك الان. - الصوال:
انا الصوال ما عرفتنيش. - محسن:
معرفش لا صوال ولا جوال. - الصوال:
قولي مو اللي تدوره وَ محسن. - محسن:
ادور المخربين، انت مخرب يا صوال اعترف!!. - الصوال:
اعقل وَ محسن عادك باول الليله. - محسن:
مو معك بالخرج؟ قنابل او الغام!!. - الصوال:
قراصع.. موبك تهذرف الليلة يا محسن،
معي قات. - محسن:
هات اشنطعم قاتك، لكن اتنقي من المليح
وزيدته. - الصوال:
شل هذا الكلوات خزنوا انت وخبرتك، فيرمي
به الى امام محسن ثم (ينزق) حماره ويواصل
السير. يتلفت محسن شمال ويمين ولم يشاهد احد - ثم يقول:
مو تهذرف يا صوال منهم اصاحبي. - يضحك الصوال من على ظهر حماره وهو
يواصل السير فيقول:
(العظروط والمرد) مو تعشي ما تراهمش جنبك
مبحشمين. - محسن:
اتمسي لا فتح عليك يا معظرط.
عاد محسن ليكمل السمره ولكن كان باله مشغول (بالعظروط والمرد وطاهش حُماله) فكان يتلفت حواليه طوال الوقت الى ان سمع وقع اقدام دون ان يرى اي شىء امامه او خلفه، صوب بنظره نحو الطريق فشاهد كائناََ ضخماََ يتقدم نحوه لكنه لا يزال بعيد انه يقترب من مكان الحراسة، عندما اختفى القمر خلف السحاب استعان محسن بزحاح الشفق للرؤيا فكان كلما اقترب ذلك القادم اكثر، كلما طال بنظر محسن اكثر واكثر، لقد خيل له بانه عفريت وليس بإنسان او حيوان بل قد يكون ذاك الشبح الاسطوري المعروف بـ “طاوي الليل”، اقترب القادم حتى اصبح على بعد خطوات منه، فاخذ محسن يقرأ المعوذات ثم صاح بصوت مفجوع ومبحوح..
- مكانك منو انت.
- الشخص القادم عرف صوت محسن فيرد عليه
انا وَ محسن (المغبش). - محسن:
على غيري!! اتشبهت بالمغبش واجيت جنابي
تحسب اشتزيد عليا. - المغبش:
انا المغبش موبك مربوش! مو الذي جلسك
هنا لا ذا الوقت!!. - محسن:
ماناش جالس بمحلك ذكو الصبل حقك محد
قرب جنابه بلا تحراش، قولي من انت. - المغبش:
انا زوج خالتك نعيم وَ محسن. - محسن:
المغبش بداخل عدن مو شندوه لا عندنا
والطريق مبند… انت واحد من الاثنين اما
المرد او العظروط. - المغبش:
اجيتو امس من عدن.
يقترب المغبش من محسن خطوات. - محسن:
ممسكا بعصاته اقولك مكانك كما اشتقرب
جنابي… يرفع محسن عصاته عالياََ ويخبط بها
المغبش بكل ما لديه من قوة. يمسك المغبش بمحسن ثم يرفعه للاعلى على
امتداد يديه ويدور به دورتين… - المغبش:
مو شورك انا المغبش او انذق بابوك لا وسط
الرصده.. ملعون ابن الملعون. - محسن:
عند الله وعندك، انا ربيعك وربيع ابوك نزلنا،
الا انت المغبش بشحمه ولحمه. - المغبش:
مو وقع بك زار او صرع. - محسن:
هذا كله عمل الصوال هو اللي طلعه براسي
وذكرنا بالمرد والعظروط، والقات بيني وبينك
مخلوط من كل ربطه ذُره.
انا فداك ومغبش منين اجيت اذي السعه؟!. - المغبش:
كنتُ اودع عبده عبد الله شسافر الصبح
السعودية يشقي، انت مو جلسك بهذا المكان!!. - محسن:
احرس. - المغبش:
مو تحرس؟! - محسن:
نحرس البلاد من المخربين. - المغبش:
له صرع يصرع به، اشتزقروهم بالعصيان..
ثم يضحك. - محسن:
اصة اصة مو تسمع يا مغبش. - المغبش:
اسمع هرير سياره عند السقاية بس مطفي
السراجات هيا بخاطرك انا شركب معاهم. - محسن:
قر وَ مغبش، ما فيش سيارات يخرجين اذي
السع، الراهده مجشش جشاش والدنيا يسك
لا خرجه ولا دخله.