(إلى تلكَ التي مرّت بينَ الصوتِ وبينَ الخاطر)
- عبدالقادر صبري
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
لم يكن صوتُكِ عابرَ سبيل
كانتِ الأشياءُ تسكُنُنا
الأسماءُ..
الحكاياتُ..
الأماكنْ..
التفاصيلُ.. التفاصيل
جنازيرُ دباباتِ العَدُوّ
أنَّاتُ جروحِ الشهداءِ الذين سقطوا
دفاعاً عن فراشاتِكِ
وألوانِ كُرَّاسةِ الرّسمِ
المدرسيةِ، خاصَّتِكِ، زاهية الألوان
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
كُنتِ منالَ الرَّغبةِ
فأصبحتِ منالَ الاشتهاءْ
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
إذا تحدثتُ
تُغنِّينَ داخلَ صوتي المتعبْ
وإن بكيتُ
تئنَّينَ مِلءَ الآهْ
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
لازِمةٌ أنتِ
منذُ ارتمتْ أصابعي
على هـُمومِكِ الصغيرةِ
تعزفُها: موطني.. موطني
تمنحُهَا خارطةَ الشوارعِ المعلّقَةِ
في سماءِ الأنبياءِ
ترفعُ نخبَ الأقداسِ
وتقرعُ أجراسَ العودةْ
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
غزةُ تعرفُنا
جنينُ..
الضّفةُ..
ونابلسْ..
مدنٌ نبتَتْ بينَنَا
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
تعرفينَ أوجاعِي وَجَعاً وَجَعاً
دفترُ مذاكراتِكِ المدرسيُّ
صَارَ مدوَّنَتي التي أدوِّنُ فيها
الكُنياتِ المحبّبَةَ لأصدقائي الشهداءْ
وصاياهُم إليكِ..
وآخرَ الشَهَقاتْ.
تعرفينَهُم أنّةً أنّةْ
ويعرفونكِ
شهقةً شهقةْ
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ بينَ الصوتِ
وبينَ الخاطرِ
صُدفةً
أعرفُكِ كما أعرفُ تاريخَ أُمَّتي المغدورةِ
أنتِ التي رَكَضَتْ مَعَ شادي عَبرَ الثلجِ
واختفتْ عبرَ السنينْ..
أنتِ التي ترَكَكِ الخيّالَةُ وحدَكِ
دونَ مظلةٍ تحتَ المطرْ..
أنتِ التي كَتبْتِ اسمي على الحَورِ العتيقِ
أنتِ التي انتظرتِني على مقهى المفْرَقْ
أنتِ التي إذا مرَّتْ تُضيءُ الفَراشاتُ طريقَهَا
وتَتبعُها الحَمائمْ
لمْ يَكُنْ مُرورُكِ هُنا صُدفةً
أعرفُكِ من وجعِي الممتدِّ عَبرَ صوتِكِ
أعرفُكِ من الآلهةِ التي في دمي
أعرفُكِ..
أنتِ إلهةُ الزيتونِ
“حلَّفتَكْ خِبِّرني كيفْ حال الزيتونْ؟”
خبِّريني أنتِ.. كيفَ حالُ الشمسِ؟
أماتزالُ زهرةُ العَبّادِ تتبعُها كلَّ صباحْ؟
أمْ، غَيَّرَ الجُندُ اتجاهَ زهرةِ المدائِنْ؟
هل أُذِّنَ للفجرِ في أقصى القلبْ؟
أمْ مايزالُ الشهداءُ يفترشونَ ردهاتِهِ؟
ألمْ يشبعوا موتاً؟
فقلبي لمْ يشبعْ حُزناً عليهِم
خبّريني
خبّريني
خبّريني
لمْ يكنْ مرورُكِ هُنا صدفةً
فخبِّريني
بحقِّ كلِّّ الذي كان بينَنا
ولمْ يكنْ..
خبِّريني.
…