- يحيى الحمادي
يا مَخرَجَ اللهِ.. رُوحِي آخِرُ المُدُنِ
أَحتاجُ أَلْــفَيْ قَتِيلٍ كَي أُحَرِّرَنِي
أَحتاجُ عِشرينَ عامًا كَي أَعُودَ إِلى
أَمسِي، وعِشرينَ أُخرَى كَي أَرَى وَطَنِي
أَحتاجُ أَعوامَ نُوحٍ كَي أَقُولَ: قِفُوا
إِنَّ العَدَاوَاتِ تُلغِي حِكمَةَ السُّفُنِ
كَم أَصبَحَ الآنَ عُمرِي؟! لَو سَأَلتُ غَدِي
لَقَالَ لِي: صارَ عُمرًا بَعدُ لَم يَحِنِ
الطَّلْقَةُ الأَلْفُ نامَت في الرَّصِيفِ مَعِي
ولَم تَقُلْ لِانتِظاري: جِئتُ، فَاستَعِنِ
عَن أَيِّ سِرٍّ بقلبي سَوفَ أُخبِرُها
ما عادَ فِي القلبِ سِرٌّ بَعدُ لَم يَبِنِ
جُرحٌ على السَّطرِ.. ما مِن دَمعَةٍ سَقَطَت
بَينَ الزِّنَادَينِ، إِلَّا سَالَ بالحَزَنِ
يا طَلقَةً سوف تَأتِي دُونَ مُطلِقِها
مَذعُورَةً، ثم تَمضِي وهي تَنزِفُنِي
هَل أُكمِلُ السَّطرَ خَوفًا مِنكِ؟ أَو شَجَنًا؟
ما أَضيَعَ العُمرَ بَينَ الخَوفِ والشَّجَنِ
لا أَسمَعُ الآنَ إِلَّا صَوتَ نائِحَةٍ
فِي آخِرِ الحَيِّ تَشكُو مِن بَنِي.. وبَنِي..
هذا هُوَ البَابُ قالَت، وهيَ شَارِدَةٌ
فادْفَعْ بِكَفَّيكَ.. لا بِالعَينِ والأُذُنِ
هذا هُوَ البابُ؟! لكنْ كَيفَ أَدفَعُهُ
وخَلْفَ ضِلعَيهِ سَقفٌ مِن دَمِ الفِتَنِ
لِلبابِ بابَانِ.. بابٌ لا وَرَاءَ لَهُ
إِلَّا الوُقُوعُ، وبابٌ خارِجَ الزَّمَنِ
يا مَخْرَجَ اللهِ.. مُوسَى دُونَ مُرضِعَةٍ
والخِضْرُ في اليَمِّ تابُوتٌ بلا كَفَنِ
والنَّملُ يَبنِي بيوتًا مِن رَمَادِ أَبي
والعِجلُ يَرمِي جدَارًا بِالغُبَارِ بُنِي
والعَلْقَمِيُّ استَدَارَت عَينُهُ.. فَرَأَى
خَلفَ الضَّحايا غُزَاةً مِن بَنِي حَسَنِ
والهُدهُدُ اليَومَ مَرَّت أَلفُ طائِرةٍ
وطائِرٍ، وهوَ يُحصِي خَيلَ ذِي يَزَنِ
والكَلبُ فِي الكَهفِ ما زالَت مَخَالِبُهُ
تَزدادُ طُولًا، وأَهلُ الكَهفِ فِي جُبَنِ
والعَمُّ يَأجُوجُ كَم قامَت قِيامَتُهُ
ولَم يَقُم بَعدُ إِلَّا غَيرَ مُقتَرِنِ
مِن أَيِّ بابٍ سَأَمضِي.. والدِّيارُ بلا
أَهلٍ، ودَربِي صِرَاطٌ غَيرُ مُتَّزِنِ؟!
قالُوا: هِيَ الحَربُ.. قُلتُ: الحَربُ أَشرَفُ مِن
أَصحابِها.. فَهْيَ لَولا النَّاسُ لَم تَكُنِ
والأَرضُ لَولا بَنُوهَا ما جَرَى دَمُهَا
هل تَقتُلُ الرُّوحَ إِلَّا عِلَّةُ البَدَنِ!
يا مَخرَجَ اللهِ.. إِنِّي غَيرُ مُكتَرِثٍ
بالمَوتِ، ما دَامَ عَيشِي باهِظَ الثَّمَنِ
نِصفِي على بابِ مُوسَى واقِفٌ قَلِقٌ
والنِّصفُ فِي دَارِ سَعدٍ.. إِيهِ وا عَدَنِي
عَيشِي ومِلحِي تُرابٌ لَا يُفارِقُنِي
ما غابَ إِلَّا حَنِينُ الشَّايِ بِاللَّبَنِ
يا هذِهِ الأَرضُ.. نامِي ما استَطَعتِ على
صَدرِي، فَكَم صِرتِ مِنِّي حِينَ لَم أَخُنِ
لَن أَستَطِيعَ ورَأسِي تَحتَ قَبضَتِهِم
أَن أَشرَحَ الفَرقَ بَينَ اللهِ والوَثَنِ
لكنني لَستُ مِنهُم.. لَن أَكونَ على
غَيرِ الذي كُنتُ، فِي سِرِّي، وفِي عَلَنِي
قُولِي لِمَن لَستُ فَردًا مِن جَمَاعَتِهِ:
إِنَّ اليَمَانِيَّ مَن لَم يَهْوِ بِاليَمَنِ
27-10-2015