- نجم الكمالي
لقد بلينا بالكسل كجيل كما اعتقد، وإن كانت فبراير قد حملتنا على أقدامنا وجعلتنا نشعر بمقدرتنا على النهوض يوميًا والقيام بأنشطة طالما أردنا فعلها، فإن الفترة التي أعقبتها وسنيّ الحرب هذه رمت بنا لكسل مضاعف لا نقدر على الخروج منه إلا في لحظات، تكمن للأسف في تناقص الرفاق من حولنا. تأتينا اسماء لأشخاص تم اغتيالهم ولم نكن نعرف عنهم شيئًا، ولكن وبعد تصفح سريع لسيرة حياتهم، سرعان ما نعرف أنهم مجايليين بأحلام ثورية لامعة كتلك التي كنا نحوزها ونسعى لتطبيقها، وكلهم قد تم الغدر بهم من قبل اعدائنا المشتركين. نشعر بالأسى أولًا والغضب لكننا نعرف أن جولة الغضب هذه لن تدوم طويلًا وأننا في أحسن الأحوال سنشارك بمرثية أوسنخبر الأصدقاء أننا فقدنا رفيقًا جيدًا للتو. يتوجب علينا كجيل أن نعيد التفكير بكل شيء وأن نركل شيئًا من الكسل الذي يمنع عنا كل حركة. وكجيل، يجب علينا أن نعيد فهم المفاتيح الاصطلاحية التي نتغنى بها دومًا، وأن نشكلها بما يخدم قضايانا الكثيرة المنتشرة في طول البلاد وعرضها. يجب أن لا نستسلم فالرفاق كأمجد قدموا أرواحهم بالنيابة عنا ويجب أن يدفعونا لمراجعة كل نشاطاتنا وأن نعزم على سلوك الدرب الذي سيفضي لبلاد بعقود سياسية واجتماعية جيدة للأجيال القادمة. إن القيمة الكبيرة للتضحية التي قام بها عمر وأمجد وآخرين يمكن أن تلهب جذوتنا بالحماس كل ما شعرنا بتقاعس أو كسل كالذي تحدثت عنه. يمكن لنا الآن أن نعرف، من خلال التآزر الذي شهدته هذه القضايا، من يشبهوننا ويمضون معنا، من خلال أفكارهم وأنشطتهم العديدة، في العمل على تعافي البلاد. يمكن لمثل هذه الأوقات أن تصبح منطلقًا لحركات اجتماعية وثورية جديدة تعود جذورها لتضحيات شباب انقياء وتستمد أدبياتها من أوساط مشاركيها الفكرية. لا يمكن أن نسمح للاحباط أو الخوف أن يكبلا مصيرنا بهذه الطريقة، ويجب أن نستعيد شيئًا من قوتنا السابقة للكسل. مواصلة أنشطة نادي “الناصية” الثقافي يمثل أولوية بالأضافة للعمل على توسيع مثل هكذا أنشطة وتوسيع القاعدة المعرفية لتصل لمن كان يطمح عمر وأمجد ورفاقهم بالوصول إليهم. لقد أسندوا إلينا المهمة ويجب علينا أن نقوم بذلك أيها الرفاق. استقبال الفاجعة يبدأ العم محمد منشوراته عن أمجد بتصريح معلن عن ماهية نشاطه الجديد في الحياة، عن الكتابة عن أمجد وعن مشروعه وعن تكريسه لحياته لمثل هكذا قضية. يتحرك مسار الأحداث على النسق الطبيعي لتقبل الفجائع من هذه النوع. صدمة الفقدان واللا تقبل الذي يستمر طويلًا. هنالك أيضًا الكثير من الوقت الذي يتخلله الذهول والرفض كما يظهران من منشورات عدة للعم محمد. تظهر لنا في المنشورات الأولى العلاقة بين العم محمد وبين أمجد وهي علاقة صداقة وتبني لذات القضايا والحديث عن أرث فكري بين العم محمد اليساري وأمجد الشاب النحيل الذي أحدث في عدن الكثير كمواجهة لقوى الثورة المضادة التي أرادت أن تعتمها وتمحي تنوعها الحيوي. يظل العم محمد يتحدث بحرقة عن الأجواء العائلية وكيف سبب اغتيال أمجد كل هذه الفاجعة لكل من عرفه. والحقيقة أن اغتيال أمجد لم يفطر قلوب من عرفوه فقط، بل أمتد ليشمل كل مجايليية من رأوا في جسده النحيل وجهوده في اعادة احياء التنوع والمدنية في عدن في ظل بيئة محيطة خطرة، جهودًا كانوا إما يسعون لإنفاذها، أو يدعمونها بقوة. أن المنحدر الذي وصلت له الأمور قد أيقظ في أمجد عزيمة “فولاذية” كما يخبرنا العم محمد، جعلته يندفع لمواجهة أخطار كان في وسعه تجنبها وهو العشريني الكادح. لكنه بعزيمة لا تلين واصل المضي قدمًا في المواجهة، ولم يخبر حتى المقربين بالرسائل التي كانت تصله وتهدد حياته. كان صلبًا جدًا ويعرف أنه يسلك طريقًا ليس بالهين وقد يكلفه حياته لكنه واصل أنشطته الثقافية عبر ناديه الثقافي “الناصية” وواصل نشاطه السياسي كشاب يحمل همًا مجتمعيًا يكرس له أفضل سنوات عمره. لماذا اغتيل؟ يتجه العم محمد لاحقا إلى البدء في الخوض في ملابسات حادثة الاغتيال السياسية كما يراها وهو من خبر السياسة والبلاد. لا يشير العم محمد بأصبعه إلى طرف لكنه يعرف المشروع الذي اغتال أمجد ويخاطبهم في منشورات عديدة ويسألهم عن اشياء كثيرة ويكرر ذلك. يشرح العم محمد لمن لا يعرف أمجد عنه وعن مشروعه التنويري وكيف كانت تمضي أيام الشاب العشريني النحيل. يبدأ العم محمد بعدها بالتحدث عن من يعاتبه بخصوص الكتابة عن أمجد وكيف أنه سيمضي في طريق انفاذ تصريحه الذي أعقب الاغتيال بخصوص تكريس حياته لأمجد ومشروعه. حتى عندما يغيب لفترة يعود ويتحدث عن مثل هكذا انقطاع واسبابه وتجده مشغولًا بأمجد طوال الوقت. يحدث العم محمد أمجد عن آخر التطورات وما هو الجديد في الساحة، يدرك أن أمجد ينتظر مخاطبته هذه ويرغب بمعرفة الجديد عن كل شيء وهو النهم لمعرفة ما يدور في البلاد. يحدثه عن ما كتبه الأصدقاء عنه ويرسل له بشذرات منها. يجاهد العم محمد لرص الكلمات سوية وبإمكانك ملاحظة ذلك وتلمس مشاعر أب وصديق فقد كل ما يملك. يقول العم محمد في إحدى منشوراته “ألم يكن قلبك وطن يتسع للجميع، حتى قاتليك” وهو في معرض سرده للتسامح والدعوة للتنوع الذي كان يمثلهما أمجد. أيام بلا أمجد يحدثنا العم محمد عن الأيام التي تمضي بدون أمجد، عن كارثيتها وعن كيف غدت غريبة وغير ممكنة بدونه. يحدثنا عن حفل التخرج الذي تغيب عنه أمجد وكيف فضل عدم المشاركة بينما شارك بقية أفراد العائلة. يحدثنا أيضًا بعد مئة يوم من استشهاد أمجد عن الخيارات التي جالت في ذهنه حينها والتي اختار منها البقاء لأجل قضية أمجد وما يمثله. يعيد العم محمد التأكيد على قضيته الحتمية التي نتجت ليلة الرابع عشر من آيار من العام المنصرم والتي نقترب من ذكراها الأولى.الليلة التي دفع فيها أمجد حياته ليوقد في الكثيرين لهيبًا من أسى ورغبة عارمة بمواصلة مشروعه الكبير، سواءً في عدن أو في المدن التي تنتشر بها قوى الثورة المضادة ومكممي الأفواة. يأكد لنا العم محمد أنه ليس نادمًا على الاختيار الذي قام به أمجد بل يعيد تأكيد اعتزازه بمثل هكذا تضحية. يطالب العم محمد من جهة أخرى كل رفاق أمجد ومن يؤمنون بالمبادئ التي قدم حياته لأجلها أن يواصلوا الدفاع عن مثل هكذا مبادئ وأن ينتصروا لقضية أمجد التي تمثل قضية كل مجايليه. إن الأيام التي تمضي بلا أمجد لا شك حزينة وتملأ قلوب كل من يعرفه أو يحمل مشروعه بالأسى والصدمة، لكننا يجب أن نلملم ذواتنا المتبعثره والحزينة وأن نفكر كيف بإمكاننا أن ننتصر لأمجد الذي أسند لنا المهمة.