- كتب: المقالح عبدالكريم
3– حصارات
علاقات
إن رؤية كهذه تجعل أكثرنا لا ريب يفكر
بمدى تشابك نصوص الفنانة آمنة النصيري مع ذاتها داخل تجربتها الفنية..
أو مدى قيامها ” بالتعبير الواعي عن كينونتي “
وبقدر ما هي مسألة بدهية ألا أن لها حساسية خاصة عندها..
إذ أنها لا تعرف تحديداً جدية ذلك.. كما ولا تأبه لتبريره أبداً..
وهو أمر لا تحتاجه الفنانة نفسها ولا يطلبه منها المتلقي أياً كانت اتجاهاته وتوجهاته..
لإدراكه المسبق أن ثمة تفاعلاً جماً بين الفنان ومحيطة المرئي..
من ناحية أخرى.. تأتي معايشة الفنان لبيئته : قيم- ثقافة – موروث
برهاناً أكيداً عن ارتباطه بواقعه وتأثره فيه وانطلاقه منه واستيعابه لشتى مفرداته..
وهو ما ينطبق تماماً على الفنانة آمنه النصيري..
والتي حسب تصريحها في حوارها المذكور قبلاً مع الكاتب..
تأسرها أشكال معينة تعجز عن تبريرها
لذا فهي ومنذ اختارت ممارسة التشكيل تعتمد على التقاط مفرداتها البصرية :
” من الخارج.. بداية بصورة آلية..
أي أعيد نقل المرئي مع بعض التعديلات ومع التجريب والتأمل..
صرت أتحول إلى العلاقات اللا ظاهرة في المادة “
كل هذا الوعي بالتجربة الإبداعية
والإدراك العميق والتام بمسارات الاشتغال الفني
أوصلها إلى ذروة لا تعد نهائية بقدر ما تعد مرحلية..
أي أنها مجرد نقطة على خط السير..
الوصول إليها.. والتوقف عندها..
ليس فيه شيء من استراحة محارب أو اتكاء غرور على تلال المجد والانتصارات
بقدر ما هو ممر آخر وجسر جديد يؤدي ويفضي ويوصل إلى سهوب أبعد وأعلى..
وهو تماماً ما بدأ يتضح في مشاريع الفنانة آمنة النصيري الجديدة
والتي أنجزتها خلال الأعوام الأخيرة حيث نجدها تستشف
“رؤية خاصة من واقع مخزون ذهني/ بصري
وخبرات تعددت بتعدد الأمكنة والناس والسنين
وبالتالي أجدني أنسج نصوصي بعيداً عن الراهن والاعتيادي،
فقضيتي تختلف اليوم.. مقارنة بالسنوات السابقة
إذ لم يعد يؤرقني إثبات حضوري في مجتمعي والتمرد على المنظمات التقليدية،
إنما بات انشغالي يدور حول مدى إبداعية التجربة التي أخوضها “.
تحول جذري كهذا ..
لابد سيكلفها دفع ضريبة قاسية .. لتقبض على غاية مثلى ..
تقبع بين فكي أسد شرس ..
أولهما: التصالح التام مع كل ما يحوطها ..
وثانيهما: ادخار الطاقة الإبداعية لتظل أكثر حيوية وأقوى توهجاً وأعمق فاعلية ..
لكنها في الأخير لا تدري إن كانت تلك المصالحة
” أو حتى أشكال التواطؤ اللا مقصود مع الواقع الفعلي
إما بالانشغال عنه .. والعزلة الإرادية .. أو بالمجاراة أحياناً ..
لا أدري إن كان ذلك أيضاً يؤثر في رؤاي وعملي التشكيلي “
وهو تماماً، ما أشار إليه «آرنست فيشر» في كتابه ضرورة الفن ..
من أن (الوجد الشديد الذي يحرق الفنان الهاوي .. يخدم الفنان الحق ..
بحيث لا يقع فريسة للوحش بل يروضه)
وذلك في معرض حديثه عن المعيار الأساس ليكون الإنسان فناناً.
ولعل أكثر ما يثيرنا أو يستثير فينا حاسة التذكر ..
هو عملية المصالحة تلك والتي تعيد إلى أذهاننا «منهاج»
اعترفت بالعمل به والتعامل معه فصيحة العرب الروائية الكبيرة غادة السمان.
ذرى..!
ومع كل تلك الخبرات وتلك التراكمية وتزايد الوعي بالتجربة ..
وصلت الفنانة آمنة النصيري .. وأوصلتنا معها إلى عوالم مغايرة لسابقاتها ..
وذلك بتكوكب تجاربها الجديدة في مدار «مابعد الحداثة»
وذلك في آخر نتاجاتها البصرية التي انتظمت تحت عنوان «حصارات»..!
وهي تجربة استثنائية بحق وبكل ما في التعبير من معنى ..
بل ليس ثمة مبالغة أن اعتبرت فاصلاً عظيماً يؤرخ لمشوار الفنانة آمنة النصيري الإبداعي .. بحيث سيكون المنطلق الأساسي لكثير من النقاد والباحثين والدارسين
الذين يرومون تفحص تجربتها الفنية ..
والتي لابد أنهم سيقسمونها إلى ثلاثة أطوار ..
«وحصارات» ستكون ذروة الذروة بين مدين:
ما قبل وما بعد «حصارات»!
وهكذا وما بين تركيزها في تجاربها السابقة
على المغامرة الأسلوبية وخوض غمار التجريب داخل اللون
” مع مقاربة الفراغ في اللون من عدة زوايا “
قدمت التشكيلية آمنة النصيري في «حصارات»
تجربة مغايرة تماماً من حيث كونها أعمالاً بصرية تستند على التصوير الرقمي ..
أي بعيداً عن مسارها المألوف: أعمال تشكيلية جمالية ..
إضافة لعمل واحد نفذته الفنانة بتقنية «الفيديو آرت»
مع مجموعة أخرى جاءت بتقنية «التركيب في الفراغ»
وهو ما يعني أننا نلج مع الفنانة -أو تلج بنا لا فرق- فضاءات استثنائية وعلى عدة مستويات
تبدأ من ملامح تجربتها الفنية هي
مروراً بشتى اتجاهات التجارب التشكيلية في راهن المشهد المحلي ..
وأخيراً منتوج الحراك البصري عربياً،
في إدهاش لا حدود لآفاقه
اشترعته الفنانة آمنة النصيري من بوابة «الفن المفاهيمي»
والذي أسسه في منتصف القرن العشرين «جوزيف كوزوت».