- كتب: محمد ناجي أحمد
الكتابة في التاريخ السياسي للأحزاب اليمنية أشبه بالسير داخل حقل من الألغام…
حين تستقصي عن معلومة أو حدث أو مقررات أو توصيات أو دور أشخاص أو وثائق أو تريد التثبت من مسألة ما فعليك أن تضع في ذهنك طبيعة النشأة والتكوين السياسي لمن انخرطوا في العمل السياسي لمرحلة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، حيث العمل السري والأنظمة البوليسية في تجاور وتواز وتربص، في علاقة ظلت مستدامة بين الضحية والجلاد، فالسياسي طيلة تلك العقود ظل مأسورا ومشدودا ومتنبها لبندقية وسوط الجلاد وزنزانته وآذانه “فالجدران لها آذان”، في ترقب وخوف دائم، وشبح الاعتقال أو الإخفاء أو القتل ماثلا في مخيلته وواقعه، ومن هذه الملازمة صار ظلام وأقبية تلك العقود داخل العديد من المناضلين، وأصبح التعافي أمرا نادرا إن لم يكن معدوما، لهذا يكتفي الباحث في الفكر والتاريخ السياسي الحزبي أن يلج إليه وهو متفهم لطبيعة المأساة والخدوش والأخاديد التي تركتها سلطات القمع والدولة السلطانية في أعماق أولئك المناضلين ، إلا من تجاوز تلك الهاوية واستطاع أن يتخلص من سيكلوجية الضحية التي لا تستطيع الاستمرار إلا من خلال التشبث باستحضار وكينونة الجلاد الذي يطاردها…
هي هاوية الدولة السلطانية التي استوطنت داخل تكوين العديد من المناضلين السياسيين!
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى هناك من يرى الذاكرة إسقاطا لورقة التوت ، وعري لما ينبغي أن يظل مستورا ومحجوبا إلى الأبد، فالوهم أو الصورة المتخيلة قد ترتب عليها كيانات وشخصيات وأحزاب سياسة عاشت وفق الصورة المتخيلة والأسطورية للشخصيات والأحداث والأفكار والمسارات التاريخية، الخ.
وهناك من يرى في الذاكرة إسقاطا للافتة دكاكينية، استولت على نهج نضالي وأحالته إلى استحقاق شخصي دكاكيني!
في ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين طلب التنظيم الناصري كتابة شهادات تاريخية عن مسار التنظيم وتجربة العمل التنظيمي للناصريين في اليمن، وقد استجاب العديد من المناضلين في التنظيم ممن شاركوا في مؤتمرات التنظيم السبعة الأولى.
أين ذهبت تلك الشهادات ، ولماذا لم يتم الاستفادة منها في توثيق وكتابة تاريخ التنظيم الناصري في اليمن؟
في عام 2012م-2013 كتبت العديد من المنشورات في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وسألت فيها عن سبب الإحجام وطمس التاريخ السياسي والتنظيمي للناصريين في اليمن؟
حين يكتب الباحثون عن نشأة ومسار الأحزاب القومية في اليمن لا يجدون وثائق ولا شهادات تعينهم في عملهم بما يتعلق بالناصريين في اليمن؟
يبدو أن ما كتبته يومها شكل إحراجا للبعض من قيادات التنظيم الوحدوي الناصري ، فشكلوا لجنة لتدوين التاريخ الناصري في اليمن، برئاسة الأخ الأستاذ هاشم علي عابد ومحمد أحمد العفيف آخرون ، وهم من القيادات المؤسسة للتنظيم –إقليم اليمن…
وإلى اليوم لم يخرج شيئ من عمل اللجنة التي تشكلت لكتابة تاريخ التنظيم، فالتعلل بالحرب في زمن التواصل والفضاء السيبراني يجعل هذه الحجة واهية!
يستدرك الأخ محمد سيف ناجي وهو المقرر الثاني في المؤتمر العام الخامس للتنظيم الناصري، وممن التزموا للتنظيم القومي (الطليعة العربية-فرع اليمن )في عام 1967 وحضر معظم مؤتمرات التنظيم ، إضافة إلى انه بطبيعته شخصية موثِّقة ، ولديها هوى والتزام في حفظ وثائق وذكريات تنظيمية وفكرية ، لكنها تظل حبيسة لديه ، ولهذا فهو يتحمل جزءا من هذا التواطؤ والمحو عن طريق الصمت والإرجاء – يستدرك بخصوص الأسماء التي أوردها كتاب محمد سعيد ظافر، قائلا بأن محمد سعيد عبد الله عن فرع أمريكا لم يكن مشاركا في المؤتمر العام الخامس للتنظيم…
وينفي عبد الله سلام الحكيمي حضور محمد سعيد عبد الله ويقول ربما من مثل فرع أمريكا هو مانع علوي التام لأنه مسئول الفرع هناك.
ويحدثنا محمد سيف ناجي عن تأسيس التنظيم الناصري لمعهد تأهيل للقيادات الناصرية في عام 1975 في اليمن بالحديدة، وكان مقره في بيت الأخ عبد العزيز سلطان طاهر المنصوب ، وأنه شارك هو وعبدالعزيز سلطان المنصوب وعبده محمد الجندي و وآخرون في دورة تأهيلية لمدة أسبوع ، كان المحاضر فيها هو الأمين العام الأسبق للتنظيم محمد أحمد إبراهيم…
ويضيف الأخ عبد الرحيم المسني في الإجابة على بعض استفساراتي قائلا :”عبر برنامج للتثقيف والتأهيل كانت تعقد برامج تأهيل في الجوانب التنظيمية والسياسية والفكرية
إضافة الى القراءة الالزامية والتلخيص لما يقرأ ضمن مهام المستويات التنظيمية…
شاركت في دورة تأهيل أثناء مرحلة الدراسة الجامعية ،عقدت في القاهرة بمصر؛ كانت دورة مغلقة ؛أي بدون خروج من محل اقامتها إلا عند اختتامها تقريبا بعد اسبوع
مِنَ الذين حضروا هذه الدورة:
ياسين عبده سعيد
عبد الغني ثابت
علي الضالعى
العميد محمد الاهنومي
عبد الباري أحمد نعمان الشرجبي
سيلان العبيدي من موقع ليبيا،
عبد الرحيم المسني من موقع الجزائر ،
وآخرون لم اعد اتذكر اسماءهم…
لا أتذكر بالضبط التاريخ ربما في 1973أو 1974 تقريبا.
كانت هناك مواد معدة مسبقا وفي إطار برنامج للتثقيف والإعداد، يشارك في اللقاء في كل جلسة شخص من الحاضرين،
وأحيانا من قبل آخرين لم اتعرف عليهم،
لكن البرنامج كان معدا له ومنسقا وفي إطار من السرية الكاملة، كانت الجلسات صباحية ومسائية،
والتسمية كانت قبل إقرار تسمية (الطلائع الوحدوية اليمنية)” أي في إطار الدورات التنظيمية والتأهيلية التي كان يقيمها التنظيم القومي (الطليعة العربية).
بخصوص ما أورده محمد سعيد ظافر مجملا في كتابه عن استفسار الرئيس إبراهيم الحمدي لعيسى عن بعض الشخصيات اليمنية هل هي في التنظيم، لم يوضح ظافر من هي هذه الأسماء ، وعند استفساري للأخ الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي قال “في المراحل الاخيرة من حوار عيسى مع الحمدي قبل التوافق سأل الحمدي عيسى بلباقة ملحوظة: إن كان لي حق في السؤال أريد اسأل هل لكم علاقة بالبيضاني، السلال، عبدالغني مطهر ، وجزيلان ؟
فرد عليه عيسى بالنفي، فلا علاقة تنظيمية بأي منهم وأن تنظيمنا شبه طلابي شبابي .
وكان ذلك دخولا في مرحلة التأسيس للطلائع الوحدوية اليمنية مع الحمدي”
وعن سؤالي عن العلاقة بين الناصريين وبين البيضاني أجاب عبد الله سلام الحكيمي:
“لم تكن للناصريين علاقة بالبيضاني الا أن البيضاني حرص على استثمار منبر الرابطة الطلابية المشهور لإلقاء محاضراته التي كان الناصريون يختلفون معها في جوانب”
يرى عبد الله سلام الحكيمي أن “أهم شيء في كتابة التاريخ أن تتوفر لمن يكتب فيه وعنه أعلى درجات الصدق والتجرد بقدر ما تسمح به الطبيعة الانسانية وانا اتفق معك حول ضرورة الكتابة ويخيل لي أني لو لم اكتب حلقات مطولة حول علاقة الناصريين بالحمدي والعكس قد لا يكتبه أحد “ثم يضيف:
” عرضت على الجماعة في التنظيم اكثر من مرة أني متفرغ ليس لدي ما يشغلني وانا مستعد لكتابة تاريخ التنظيم، وطلبت ان يتاح لي العودة الى وثائق التنظيم وآخر من طرحت عليه الفكرة هاشم علي عابد في القاهرة فرفضوا واصروا بالرفض”
سنوات عديدة تقارب العشر سنوات منذ أن شكل التنظيم الوحدوي الناصري لجنة لكتابة تاريخ التنظيم وطباعة وثائقه وإلى الآن ليس هناك توثيق وليس هناك تاريخ والوثائق في طي المجهول، ويبدو أنهم قد اتخذوا في الواقع قرارا بعدم كتابة تاريخ التنظيم، برغم أن قرار كتابة تاريخ التنظيم كما يقول عبد الله سلام الحكيمي “اتخذ في النصف الاول من عام ١٩٨٠ قبل مغادرتي الى الهند …” وبرأيه أن هناك قصدية في “طمس تاريخ التنظيم برمته هناك اشياء إن تبدو للكثيرين تسؤهم، فبعض القيادات كان يكره التنظيم ويعمل ليل نهار لتهيؤ فرصة لبيعه بصفقة تربحه ولكن خيب الله مسعاهم وهناك اختراقات على أعلى مستوى، كان هناك تعمد لإهالة تراب النسيان عن تاريخ وضاء ومشرف للتنظيم وقد يجئ يوم تكشف فيه الحجب والاستار للتاريخ فقط”
يستعيد الحكيمي قدرا من ذاكرته فيقول: “بل عادت بي الذاكرة الى الشهيد عيسى كان يحدثني عن فكرة كتابة(تاريخ التجربة) وأنه يعتقد أني أحسن من يقوم بالمهمة من خلال لجنة مصغرة اترأسها على أن تبدأ بعد نجاح حركة اكتوبر، حينها أذكر اني قلت له إن المهمة أكبر مني واقترحت عليه هاشم علي عابد، قال لي على أي أساس بنيت مقترحك؟ قلت له ان هاشم قديم وقد دخل دورة في المعهد التنظيمي بمصر، قال لي ليس كل من دخل المعهد مؤهل وهاشم لا ينفع في هذه المهمة هذا مما تذكرته من نبش الذاكرة يا سيدي”
من هنا أجد أن الجهود الفردية في الكتابة للتاريخ السياسي اليمني هو عمل نضالي وثوري يحرر الذاكرة من قصدية المحو والنسيان…
أحد شباب التنظيم الوحدوي الناصري أرسل لي بهذه الرسالة على الخاص، فاستأذنته بنشرها ضمن هذه الحلقة ، لعل قيادات تنظيمهم يعون أهمية تأهيل قيادات شابة لتقود التنظيم ، فالإبداع الحركي يقترن دوما بتوهج الشباب وعيا وحركة…
تقول الرسالة:
“أتفق مع ما تحدثت به في
الحلقة الرابعة حول نسبة التنظيم الى شخص و “أن القيادات كانت تنحو باتجاه استثمار الاسم طالما هناك ضبابية سببها غياب القيادة المبدعة”.. هذا الكلام سيستفز القيادات العتيقة ممن يعتقدون رغم كبر سنهم وعدم قدرتهم على تقديم شيء أنهم لا يزالون رجال المرحلة.. وأن الاصرار على تسمية التنظيم باسم شخص لكي تصبح المشاريع الفكرية التنظيمية مجرد دكاكين. وهو ما وصل إليه حال التنظيم اليوم. وخنقه وربما تحويله الى ما يشبه الملكية الخاصة لبعض القيادات المهيمنة عليه واستفادت منه وما زالت.
تقول وتطرح ما في القلب وما نود أن نقوله.
كما أعجبني جدا تأكيدك على شبابية التنظيم مع انطلاقة حركة يونيو. في الوقت الذي لم تدعم القيادة الحالية الشباب ولم تترك لهم فرصة حقيقية ليكونوا فاعلين داخل التنظيم وفي قيادته بحجة الحرص والخوف.. وربما قد يصاب التنظيم بمقتل بمجرد بدء رحيل هؤلاء العجزة لانهم لم يعملوا على خلق صف ثاني وثالث من الشباب لقيادة التنظيم.
هذا الكلام لك ابوح به لكن لا نحب الحديث به مع اصحابنا او مواقع التواصل لان الضرب في الميت حرام.. ولا نريد ان نقهر القيادة في آخر سنوات عمرهم.
كما لا نريد أن نوفر مادة للآخرين لمزيد من النيل من التنظيم وتشويهه أكثر. مع أن اكثر من يشوه التنظيم هم قياداته التي لم تع بعد حتمية التغيير وتقديم الشباب الذي ربما كثير منهم يمتلكون أفكارا قد تسهم في النهوض به وتصحيح مسار الاختلالات فيه.
تحياتي”