- كتب: عبدالحفيظ العمري
ما هو الفن؟
إنه لحن الحياة مترجماً أدباً، لوحةً، نغمةً وغيرها.
إنه الإنسان مجسداً على أدواته الحريرية بين يدي الزمن.
ولعل الفن التشكيلي يحظى بنصيب الأسد في ذلك، ونحن اليوم في ذكرى رائد الفن التشكيلي في اليمن، هاشم علي.
فمن هو هاشم علي؟
هو هاشم علي عبد الله مولي الدويلة. ولد في المكلا بحضرموت عام 1945م، وعاش
قرابة 13 سنة من طفولته في إندونيسيا – بما يذكرنا بالشاعر والمسرحي
الكبير علي أحمد باكثير -؛ فلقد كان والد هاشم علي داعية إسلامياً كبيراً،
يدعو إلى نشر الدين الإسلامي وتعاليمه هناك.
يقول عن تلك الفترة – كما كتب ولده في مجلة «العربي» الكويتية -:
«لقد كانت طفولتي التي عشتها في إندونيسيا أجمل وأروع شيء مررت به في حياتي
كلها، وعندما أقول هذا الكلام فأنا أعني ذلك حقيقة بصدق وبكل ما تحمله
الكلمة من معنى، ولم تستطع أي مرحلة من المراحل الأخرى أن تحقق لي الإشباع
الذي يمكن أن يصل إلى الحد الذي يتفوق أو يعادل تلك الحياة التي عشتها في
طفولتي قرابة ثلاثة عشر عاماً قضيتها هناك، على الرغم من بعض التعقيدات
التي واجهتني في بدايتها، فإنها ما لبثت أن زالت من طريقي حين تعهد خالي
بتربيتي ورعايتي وسمح له بذلك».
ودرس هناك في مدرسة صينية بمدينة جاوة
حتى الصف السادس الابتدائي، لكن الأسرة اتخذت قرارها بضرورة توقفه عن
التعليم في المدرسة الصينية عند هذه المرحلة التي وصل إليها، وأن الوقت قد
حان لكي يسافر إلى مدينة حضرموت في اليمن من أجل الدراسة في «رباط تريم»،
حتى يتمكن من تعلم القرآن الكريم وعلومه هناك.
عاد إلى حضرموت، لكنه لم
ينسجم مع طرق التعليم آنذاك، فتركه وراح يبحث عن نفسه في شيء آخر وجده عند
أستاذه علي علوي الجفري الذي تعلم على يديه فن النحت، ثم انتقل إلى مدينة
أبين وأقام فيها عند أخيه الشاعر والصحافي الكبير، المرحوم عبد الله علي
عبد الله مولى الدويلة، وفيها عمل بالعديد من الأعمال المهنية والحرفية من
أهمها النجارة، ثم انتقل بعد ذلك للعيش مع أخيه أيضاً في مدينة عدن، وفيها
أتيحت له الفرصة للتعرف على بعض الفنانين التشكيليين، ومنهم الفنان العقيلي الذي تعلم عنده فن الرسم، مع العلم أنه كان يمارس الرسم باستمرار منذ
بداياته الأولى في إندونيسيا حتى هذه الفترة التي وصل فيها إلى عدن. كما
أنه بدأ في هذا الوقت يبيع اللوحات للأجانب المقيمين في عدن، ووصل الأمر
إلى أن بعض لوحاته بيعت بأسعار أعلى من أسعار لوحات العقيلي ذاته وبمبالغ
لا تصدق!
وبعدها استقر في تعز بعد تنقلات عديدة عبر الحديدة وعدن وإب. هذا المتعلم الذاتي أصبح «المعلم» كما كان يُلقب
مدرسة هاشم علي
هذا المتعلم الذاتي أصبح «المعلم» – كما كان يُلقب -، وقام بفتح أكاديمية لتدريس الفن التشكيلي عام 1970م.
يقول الفنان التشكيلي، طلال النجار، أحد أبرز وأفضل تلاميذ الفنان الكبير هاشم
علي: «أنا أعتقد أنني تعلمت عند أكاديمية هاشم علي ما لم أتعلمه في
أكاديمية الفنون في موسكو. تعلمت في أكاديمية الفنون بموسكو تقنية الرسم
وفن التشريح وغيرها من الأشياء لكني تعلمت من هاشم معنى الفن وقيمة الفن».
ويقول الدكتور أبو بكر السقاف في كتابه «كتابات تحت عنوان (الإنسان والأرض في فن هاشم علي)»: «إنني أبحث عن شيء أصلب من الصخر لأداء المعنى الذي أريد أن
أعبر عنه، لقد بزغ هاشم كالنور في قلب الظلام، وإذا كان محمد عبد الولي قد
وجد أمامه طريقاً طرقه الكثيرون على تفاوت في حظهم من النجاح، فإن هاشم علي هو البداية، وكل بداية شاقة، فقد بدأ يلعب بالألوان ويحاور صبر وأطياف
فتياته، في وقت لم يكن فيه للرسم أي وجود».
ويقول الدكتور عبد العزيز
المقالح: «حين تبدأ الأمة العربية في حصر أبنائها المبدعين الرواد في كل
الأقطار، فإن الفنان اليمني الكبير الأستاذ المعلم هاشم علي سوف يكون
واحداً من أهم هؤلاء الرواد الذين يطمعون في تأسيس الجديد، وإضافة عوالم
بديعة مدهشة إلى هذا العالم الذي بدأ يضيق ويتهاوى».
لنتابع رحلتنا معه. في عام 1971م، حصل هاشم علي على منحة تفرغ كفنان تشكيلي، فبدأ في صنع مجده الذاتي، حيث أقام عدة معارض تشكيلية سواء متفرداً أو مع الآخرين، بلغ
عددها أكثر من 45 معرضاً في داخل اليمن ودول خارجه، شملت الكويت، وقطر،
وعمان، وليبيا، والعراق، وأمريكا، وفرنسا، وألمانيا. وكان أول معرض تشكيلي
له عام 1967م. ساهم في تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين اليمنيين، وانتُخب
رئيساً لها عام 1986م، وبعدها نقابة التشكيليين اليمنيين عام 1997م.
يقول الفنان التشكيلي، وليد دلة، مدير بيت الفن في صنعاء: «هاشم علي ذلك الكون
الذي تشكل بملامحه وطناً، ذلك الكون الذي شرحه بكل ما يملك».
فهل كان للتكريم حظ في هاشم علي؟
نعم؛ فلقد حاز على العديد من الأوسمة والدروع التكريمية، ومنها: وسام صنعاء
الذهبي من الدرجة الأولى، ووسام الدولة للآداب والفنون من الدرجة الأولى
عام 1989م، والدرع التكريمي لمؤسسة السعيد للثقافة والعلوم عام 2001م، ودرع وزارة الثقافة عام 2004م، وأطلق اسمه على قاعة الفن التشكيلي في المركز
الثقافي في مدينة صنعاء، وأصدرت وزارة الثقافة عام 2004م كتاباً في سيرة
حياته بعنوان: «هاشم علي: حياة في اللون».
ترك الراحل الكبير عدداً كبيراً من اللوحات التي تعبر عن الحياة اليومية في تعز واليمن عامة منها:
– حاملة الطُعُمْ
– بائعة العَمَبْ
– بائعة اللبن
– أشعة الشمس
– الحداد
– ضارب الطار
– الأبّال
– مبارك الجِمال… وغيرها الكثير.
رحل الفنان هاشم علي في صباح السبت 7 نوفمبر 2009م.
يقول عنه وزير الثقافة الأسبق، خالد الرويشان:
أيها اللحنُ الهارب!
والقصيدةُ الشاردة… أين أنت؟
أين نحنُ إذا لم تكن هنا؟… أنت الـ(هُنا)!
الطريقُ إلى قريتنا مرّت عَبْرَ سنا أصابـِعك.
من فضلِك… دُلّني عليها!
وَحْدَك من يَعْرفُ تجاعِيدَ أشجارِها، وشُحُوبَ أحجارِها.
أمواهُ أحلامِنا سالت من بين أنامِلك!
فأترع بها عطاشى الحبّ، والجلال.
غيمات أحزانِنا تقطرَتْ فكنتَ أنتَ دمعتها الكبيرةَ المضيئة!
فدعنا إذن نتملَّى ضحكة َالدمعةِ تمشي بيننا… كي نبكي عليها!
نتجلّى بهاءَ الوحشة كي نقوى على الصّعودِ إليك.
كُنتَ ريشة َاشتعالاتِنا، خفقة َالتمرد في أجفاننا،
أخاديدَ انتظارنا، بروازَ أيامِنا.
وإذنْ فمن، غيرُكَ يدُلـُّنا علينا؟
أعرِفُ… ما تزال ضحكتك تجلجلُ بين حَنَايا (صَبـِرْ)
أيها الزّاهِدُ السّاهِد… ما أصبَرَك علينا!
ما أحلمك!