- ضياف البراق
مثقفونا الذين يتشاتمون، اليومَ، ويتباغضون بكل حماس، ويتلاعنون بلا
أدنى خجل، ويتخاصمون بطُرُق عدائية باعثة للقرف بل الرعب! يتخاصمون من أجلك أيها اللا شيء!
مثقفونا الذين يتراشقون بأسوأ وأبذأ الشتائم بدلًا من أن يتساموا أخلاقيًا ويتحدوا وطنيًّا من أجل إنقاذ شعبهم المطحون حتى
الموت.. هذا الشعب المنكوب دائمًا بالحروب الأهلية القذرة والتي تزداد
وحشيّة واتِّساعًا يومًا بعد آخر!
كلٌّ منهم يشتم الآخر، إمّا هذا
يسب ذاك أو ذاك يسب هذا، وهكذا، يتهافتون على الدوام، إذ تراهم يمارسون
التعاسة والفشل بحق أنفسهم، ويتعاملون بالكراهية لا بالمحبة. هؤلاء ينددون
بالحرب وينشدون السلام وفي الوقت ذاته يتمزّقون، ثقافيًا وأخلاقيًا،
ويمزِّقون مبادئهم وأنفسهم، إمّا دفاعًا عمن أشعلوا هذه الحرب وإمّا عن
تجارها أو المستفيدين منها ومن استمرارها. هذا هو نهجهم الإفلاسي التمزيقي
منذ اندلاع الحرب!
اِختلافهم اِحتراب، تباغُض، وانتصاراتهم الخصامية
هي هزائم وكوابيس. إنهم، بتفرقهم هذا، إنما يلهثون وراء الهدف القبيح لا
الجميل، قصدًا أو عفوًا، يضحون بالغالي ليبقى الرخيص، يجعلون أنفسهم طعامًا شهيًّا وسهلًا للمتسلطين، أعداء الثقافة، وغالبًا يكذبون حتى وهم يتحدثون
عن الصدق!
إنني أتساءل وضميري يتألم بحرقة لأجلهم: أهؤلاء مثقفون
حقًّا؟ أإلى هذه الدرجة يتخاصم المثقفون؟ أإلى هذه الدرجة من الانقسام
والانبطاح.. يصل بهم عراكهم الشخصي أو السياسي؟ أين ذهب عقلهم الثقافي الذي كانوا يتباهون به بين الناس البسطاء؟… يا لهذا الغباء الفظيع!. (لا
غرابة، فالمثقف الفارغ، الأصولي، المهزوم فكريًا، أو الأناني.. إنه دائمًا
عدو نفسه وعدو مجتمعه في آن!).
أنا مثقف، إذَن، يجب أن أكون أكبر من
الإيديولوجيا، مهما وكيفما كانت، أكبر من الحزب والمذهب والطائفة والقبيلة، وفي مستوى الوطن وفي مستوى الحرية. واعلمْ، يا صديقي، أن الحرية هي
الإنسانية. كن في مستواها دومًا. وأيضًا، يجب أن أحترم من يختلف معي، وأن
أحترم قبل كل شيء معاناة الناس. أنت، أيها المثقف، عندما تحترم معاناة
الناس أو تحترم نقدات الآخرين لعيوبك، إنما أنت، في هذه الحالة، تحترم نفسك وترتقي بها إلى القمة النبيلة. المثقف لا يعادي ولا يخاصم، بل يدافع
ويعانق، يجمع ويوحِّد. المثقف الحق، العظيم، هو مُصْلِح اجتماعي، وحزبه
الأقدس والأغلى هو: الإنسانية. هذا هو رأيي. كُنْ في اليمين أو في اليسار،
هذا لا يهم، والأهم هو أن تكون إنسانًا وإنسانيًا في تعاملك مع جميع الناس.
“أنت خائن للقضية، أنت (أو هو) مثقف مرتزق، أنت مثقف انتهازي لا وطني، أنت تبيع أرضك للمحتل الخارجي، أنت إخواني داعشي، أنت بلا مبدأ.. وهو ملحد، وذاك مُخبِر لصالح فلان…”، هذه مقتطفات قليلة من خصاماتهم اللفظية الشخصية والحزبية، وهي، بلا شك، سقطات انحطاطية تفضح خواء وانهزام المثقف التعيس، المثقف الفارغ الخائف حتى من ظله هو، وكذلك تكشف عن عبودية ثقافية فادحة، لا عن حرية ثقافية حقيقية. إنهم يتراشقون يوميًّا بالاتهامات اللفظية، وينبطحون، بشكل أو بآخر، وباستمرار، ينبطحون عند أقدام عدوهم الجوهري، العدو العنصري والإقصائي والوحشي، وهو الذي يسعى كثيرًا لسحقهم جميعًا! مثقف يخدم عدوه القذر! أهكذا يتصرف المثقف؟!
المثقفون
الحقيقون، هم الذين يتعايشون مع الاختلاف ويحسنون التعامل معه، وهم الذين
يتحاورون بدلًا من التخاصم، ويتقاربون، ويتوحدون دومًا صفًا واحدًا ضد
أعداء حقوق وحريات الإنسان.. أمّا هؤلاء فيذهبون دومًا في الاتجاه الخطأ،
يتكارهون.. يتمزّقون.. ويتقنون لعبة التصنيف (“من يصنّفك يقتلك!” يقول أنسي الحاج)، ويقطعون طُرُق التواصل والأمل، وهُمْ، بهذا الشغل الاستهلاكي
العبثي، إنما هم يخدمون الوطن والإنسانية فحسب (هذا اِدعاهم، طبعًا!)!
والسؤال الأهم، هنا: كيف تقول للناس إنك ضد الحرب من أجل السلام وفي الوقت ذاته أنت منحاز لطرفٍ من أطرافها؟! كيف تدعو إلى السلام فيما أنت تقف مع
طرف يرفض فكرة السلام؟ المثقف الحق هو من يرفض كل أطراف العنف ويقاوم
مشاريعهم غير العادلة، ويدين كل من يعبث بأمن ومصالح الناس وكل من يحاول
العبث بحق من حقوقهم، وهو أيضًا ودائمًا يندد بالعنف وينبذه بكل ألوانه.
نصيحتي الصادقة لهؤلاء: اختلفوا لكن لا تتباغضوا، لا تتفرّقوا، ولا تجعلوا الانتماء الحزبي فوق الانتماء الإنساني، فالثقافة والإنسانية كلٌّ واحد لا يتجزأ ولا يجوز الاستهتار به على الإطلاق. الاختلاف العدائي لا يصنع خيرًا ولا يبني وطنًا، تسامحوا الآن، وتوحدوا من أجل الخير، واحترموا معاناة هؤلاء الناس المسحوقين والذين هم في أشد الحاجة إليكم.