- كتب : طه العزعزي
قد لانجد وبكل تأكيد ، وأنا أقول هذا بوثوق تام ، من يحاول وهو يكتب حين
الإشتغال الجاد في العمل الروائي التأريخي أن يتمرد عليه بوصفه ، مثلما نجد في عدد روايات الروائي اليمني الكبير محمد الغربي عمران في أنطلوجيا
الرواية اليمنية، وهو شأن له علاقة كبيرة بمسار الكتابة وتحولاتها الفكرية
الحيثية ، أكثر من ذلك له علاقة بفكر الكاتب الذي يفكر على النقيض في بعض
المشكلات المؤرخة الهامة ونصوصها
ومروياتها القديمة التي يكتبها المنتصر دائماً ، و مع متخيل ما ، هو في
راهنه يراه أكثر مما كُتب وروي وحدث في القديم سواءً حدث في الأمس القريب
أو في الأمس البعيد ، ومسألة ذلك تأتي من عدة رؤى نقدية وفكرية في الغالب
قد تكون صادمة ولاتتماشى مع المتلقي الذي ألفّ على الدوام أن يقرأ التأريخ
كما هو بعينيه فقط بوصفه مجرد كلمات جامدة على السطر ، لا أن يقرأ التاريخ
بوصفه أحداث وأفكار حتى الآن ماتزال تبعاتها وأحداتها تتكرر وتعصف على حسب
السياق براهننا المعطوب هذا ، وربما يكون ويمتد ذلك في المستقبل أيضاً .
في الرواية الأخيرة الذي حصل فيها الكاتب على جائزة ” راشد بن
حمد الشرقي للإبداع ” ، يتعمد الغربي أن يبرز ماهو صراع ليس ” مرحلي ” آني بل ماهو ممتد بتعباته حتى راهننا هذا ، وربما ليس القديم بأحداثه ومشاكله
هو من حفز الغربي لكتابة روايتة ” حصن الزيدي ” ، ربما بما فيه الجزم ”
الراهن ” المؤسف هو من كان له الدور الأعظم في تحفيز كاتبنا الغربي عمران
لكتابة رواية ” حصن الزيدي ” ، الراهن الذي هو نسخة مكررة من ما حدث في
القديم ، وما العمل هذا سوى إستثمار لشطر السردية التأريخية ، أي بوضوح ،
لقراءتها مرة أخرى ، بقراءة أخرى ، وبذكاء متمرد آخر .
في
الرواية ، يمتد الصراع منذُ عهد الأئمة الزيديين في صنعاء ، حتى الإحتلال
الإستعماري البريطاني لمدينة عدن ، وقيام الجمهورية والإستقلال ، وفي هذا
سنجد جملة كبيرة من أفكار خاصة قَذف بها الغربي عمران كي لاتكون إضافية بل
كي تشير إلا أن أسباب نشوب المشكلات التاريخية العصية يسببها ماهو ، سيجيب
الغربي عمران ” إستخدام الدين كمحرك للعنف ” و ” للهيمنة أيضاً ” ، بل
والعنف الموجه والمشيخة القبلية وجهل العوام وخضوعهم لقبضة المتسلطين.
تتخللل الرواية أحداث جمة ومشاهد حدثت في مجمتع جنوب شبه جزيرة العرب ،
وهو مجتمع كما الآن ، يمايز بين أفراده على أساس تكوينهم الطبقي و العرقي
أو على أساس تكوينهم الجنسي كذلك ( رجل / امرأة ) ، وإذا كان من دور هنا
فاعلٍ في هذه الرواية تحضر فيه المرأة فإنه غالباً ماتظهر فيه كمظلومة
مهانة بل كمهمشة ، وفي ظل هذا التفرع والتمايز نجد ” الأخدام ” شريحة
المهمشين وفئه ” السود ” في اليمن الذين ليسوا سوى أقل شأناً كالمرأة وربما أسوأ من ذلك ومعاملتهم في مجتمع قبلي بالأساس ستكون معاملة منفعة ” العمل في الأرض ” كما تبرزه هذه الرواية ، نجدهم فاعلين أكثر حتى في بدء لما
يسمى شرارة التمرد والثورة وهو إنتشال لأجل أن لايكونوا في الحظيظ كما هم
فيه في ظل تلك القبضة التي تبرزها الرواية بسردية ذكية ، وهؤلاء المهمشين
الذين تسردهم الرواية سيكون لهم دوراً كبير خارج الحصن ، حين يهربون إلى
خارجه متخندقين بصبرهم وبأخوتهم الآخرين من ” البيض ” الذين لايمايزون
بينهم البين على أي أساس عنصري .
وقفزة إلى خارج الحصن ، هنا حيث أن التمرد كان حاضراً ، بسببه كناتج كانت ليد السلطة والمشيخة القابضة
بقسوة والتي تطال على شيء تراه ملكاً لها دور كبير في داخل الحصن في إذكاء
جمرة التمرد الحمراء خارجاً منه ، نساء وأخدام مهمشين والآخرين الذين طالت
اليد القاسية على كرامتهم وأراضيهم وتم فرزهم على أساس طبقي عنصري ، وفي
هذا سمة التمرد سمة ثورية بإمتياز ، وسنسميه تمرداً إن شئتم لما هو كانّ
أكثر إستخداماً على لساسين الظلاميين والرجعيين أيضاً ولما هو ثوري أو وصفي لصيق بشاعرٍ ما أو حداثي ، وربما في راهننا ماهو مهم سنجده بين عدد كبير
من روايات الكتاب العرب ، وليستمر التمرد إذاً ، لنجد أنه ينتقل من حدث إلى حديث . وبما أن الإمام أو الشيخ عدوان للحداثة في ذاك العهد المأزوم ،
سنجد أن التمرد هو عدواً لهم إذا كان بالإساس يرنو إلى الحداثة وإلى
التغيير ، أخيراً .. عدو العدو سينقلب إلى خّرق رأي ونظرة ومجرد شعار مفرط
به ، نجد أنّ قارون تم تنكيله وتكفيره وتعنيفه على يد أولئك الذي كان يتمرد معهم ويقاوم ويثور كجمرة أساسها الجوهر الذي لايخبو وهاهو الآن يتمرد
عليهم بمزماره نافخاً فيه وبثقافته التي عاد بها من عدن وبحبيبته التي أطلق عليها شنهاص ” بالزانية ” وبرقصاته وفكره الأهم الذي كان كأنه دخيلاً
بالنظر إلى رؤوس بشراً بلداء أقل من أنفسهم ومن ثورتهم ومن وطنهم ومن
تمردهم الأول .. وهكذا حتى الآن تستمر الحكاية في هذا الوطن حين كل إدعاء
وزيف .