- عبدالكريم الرازحي
كان أخي الكبير سيف الذي أنفق سنوات شبابه في العمل خبازا عند مُلّاك المخابز في المدينة عدن قد تحرر من عبوديته لأرباب العمل وفتح له مخبزا في المنصورة قريبا من العمارة الكبيرة التي أشتهرت بإسم “قصر المنصورة”لكنه وهو يحرر نفسه حررني أنا الآخر وكانت فرحتنا بالخبز والحرية عظيمة ، فالخبز الذي سوف نعجنه بعرق جبيننا هو خبزنا وهو ملكنا ونحن الخبازين الاحرار ،وفي مخبز المنصورة الذي أصبح ملكنا تقاسمنا العمل بيننا
هو يصنع الخبز وأنا أصنع الكيك والبسكويتات بأنواعها.
كنت حينها في صف سادس ابتدائي كلية بلقيس لكن وأنا في طريقي إلى الكلية كنت أمر بتجربة صعبة تتكرر يومياوتبعث في نفسي شيئا من الألم وشعورا بالاحباط ونفورا من الدراسة ومن المدرسة
و كثيرا ما كنت أتغيب حتى لا أمر بتلك التجربة المرهقة لمشاعري وأعصابي ولشدة ماكنت أعانيه أثناء ذهابي إلى المدرسة تمنيت لو أن أخي سيف بقي خبازا من دون مخبز !
كان أولاد حارتنا وأولاد الحارات الأخرى يعرفونني ويعرفون من أكون ..
كانوا ياتون يوميا وأحيانا اكثر من مرة في اليوم إلى مخبزنا لشراء الروتي ويجدوني هناك بانتظارهم
أيامها كان مخبزنا هو المخبز الوحيد في الحي الجديد حي المنصورة وكنت أنا أبو الروتي الوحيد
والوحيد الذي يقترف جريمة يومية هي جريمة الذهاب إلى المدرسة ،
كانوا كلما أبصروني ماضيا باتجاه المدرسة ولابسا الزي المدرسي توقفوا يشيرون إلي ويتحرشون بي وينادونيي ساخرين ومتهكمين :
-يابوالروتي .. أين رايح يابوالروتي ؟
إندكُّوابو الروتي .. شفتم ابو الروتي .. أبوالروتي رايح المدرسة ..أبو الروتي يدرس
كانت نداءاتهم تلك ومايصحبها من ضحكات وقهقهات توجعني وترهق أعصابي وتثير غضبي وكنتأحيانا ولشدة مايعتريني من شعور بالقهر أضع حقيبتي جانبا ويضعون هم حقائبهم وتبدأ حصّة الاشتباك..
أكثر من مرة كنت اصل المدرسة بوجه ملطخ بالخدوش وبزي مدرسي ممرغ بالتراب وكان ذلك يلفت انتباه المدرسين والمراقبين ويعرضني لكثير من اللوم والتوبيخ،
وحتى لو مر الذهاب إلى المدرسة بسلام ولم يحدث أي نوع من الاشتباك فقد كانت نداءاتهم وسخرياتهم وضحكاتهم تثير أعصابي وتجعلني داخل الفصل في حالة تشتت ..
المدرس يشرح وأنا هناك في الطريق إلى المدرسة مع أولاد المنصورة ورأسي مليئ باصواتهم :
-يابو الروتي يابو الروتي
كنت وأنا أسمعهم ينادونني يابوالروتي أوحين أراهم يشيرون إلي ويضحكون أشعر لكأن أصواتهم وضحكاتهم واشاراتهم خناجر وسكاكين تنغرز في خاصرتي،
وكنت كل ليلة قبل النوم أتمنى أن أستيقظ من نومي على صباح بلا مدرسة أو بدون مخبز لكني كل صباح كنت أنهض الرابعة صباحا وعيناي مثخنتان بالنعاس لأكتشف من حرارة الفرن أن المخبز موجود والمدرسة موجودة وأنني مازلت أوالروتي.
- بعد الاستقلال أطلق أخي على مخبزه :
مخبز 14 أكتوبر