- عمار الأصبحي *
إنه تشرين يا أبي، نصف قرن وأكثر على تلك الأيام التي أردتموها أن تكون بوابة لغدٍ أجمل، ولا شيء غير القهر والدم .. ـع، وقلق أسود تجمعت الأدلة ضده يتأرجح على قافلة حبلى بالفجائع،
لا أدري ماذا أقول لك؛ والأيام تمضي هكذا وتعود لتمضي مجدداً، فتعبر بنا عبثاً.. ونحن كعادتنا ننتظر ذاك الغد الذي لا يأتي، نحتفل على مذبح انتحارنا الكبير، ولا شيء غير التباس مرّ ينتابنا كجرحٍ غامض.
الأملُ عاطلٌ، والناس يتقاتلون في الشارع بحثاً عن عمل..
ماذا عساني أن أقول، والأشياء تغيب في الأشياء في تناقض عنيف والوقت يمر مريضاً واللوحة جرح؟!
هاهي أصابعي تعضني خجلاً، مع ذلك سأكابر اليوم لأني بحاجة ماسة إليك.. إلى الإبتهال إليك ومناجتك يا أبي.
أبي أيها الثائر الأبي هاهو تشرين، هل لك أن تحدثني عن الثورة والعمليات الفدائية التي كنت تنفذها بشجاعة وبمعية رفيقك الرجل المكتباتي الفقيد محمد سالم الشعبي وأخرون.. أن تتكلم عن نضالك من خلال المكتبة ومحل الدرجات الهوائية(السياكل)التي كنت تستخدمها في توزيع المنشورات والأسلحة اضافة الى تسهيل وتنفيذ الهجمات الفدائية..
لقد أخبرني أحد رفاقك بأنك كنت تضع المنشورات أو الأسلحة في صندوق على الدراجة الهوائية وتضع فوقها سمك غير طازج، للتشويش على النقاط العسكرية أثنا التفتيش، بمجرد فتح الصندوق تفوح رائحة كريهة تجعل العسكري الانجليزي يتأفف منها ويأمر بعبور الدراجة حتى يصل قائد الدراجة إلى هدفه!
لمَ لم تخبرنا بهذه التفاصيل وتتحدث عن رفاقك ومعاناتكم معاً في درب النضال والتحرر؟!
كل ماعرفته من سيرتك النضالية، أنك كنت ثائراً وفدائياً فذاً بشهادة الكثير من رفاقك، مع ذلك لم تنل ما تستحقه غير تلك الإعانة الشهرية والمبلغ الحقير الذي كنت تستلمه من رعاية أسر الشهداء والمناضلين وتوقفت منذ سنوات بسبب توقفنا عن الحياة وانشغالنا بالحرب والموت!.
عيدٌ أبي يا أبي، فكم أنا كثير بك اليوم روحاً ودماً ووجداناً وفكرة، لقد أدركت لماذا لم تكن تود الحديث معي كأحد فدائيي حرب التحرير وثورة أكتوبر، كنت تخشى من أي حديث قد يقلل ربما أو ينال من نُبل ما قدمته من واجب مقدس تجاه الأم الحنونة عدن تلك المدينة التي أحتضنتك منذ نعومة أظافرك.
سلامٌ عليك يا أبي، لروحك المجد والخلود في الأعالي، كل عام وأنت حاضراً قامة وقيمة كل عام وأنت ثورة مجيدة تمنحني الكثير من الزهو والإعتداد رغم أنف الفقد وجرح الغياب.
- رئيس التحرير