- كتب/ هدى جعفر
في الوقتِ الذي كانت فيه جماهيرُ السينما تلاحقُ بأنفاسٍ متدافعةٍ قصةَ عاشِقَيْ الـ”تايتنك”، فيلم 1997 الأكثر شهرة على الإطلاق، وتحتفي كما يجب بمشهدَيْ لقاء العَرَبة ورسم العقد الثمين والجسد الأغلى ثمنًا، كان
الكاتبُ المسرحيّ مارتِن شيرمان والمُخرج شون مَثايس يُغامران بتقديم
عملهما السينمائيّ الأوّل، فيلم “Bent”/ “مُنحرف” بإنتاج بريطانيّ/ يابانيّ مُشترك عن رجلٍ مثليّ في زمن “الهتلرة”!.
الفيلمُ مأخوذ عن مسرحية
بنفس الاسم لشيرمان، وقد عُرضت في بريطانيا لأوّل مرة في 1979، وتم
اقتباسها في عشرات النسخ في كندا، والأرجنتين، وأستراليا، وبلجيكا
وإسرائيل، وفرنسا، والولايات المتحدة وغيرها، وقد لعب دور البطل الرئيسيّ
في نسخة مسرح برودواي النّجم ريتشارد غير.
خطأ الزمان والمكان
يذهب معظم المشهد الافتتاحي (قُرابة عشر دقائق) في ملهىً للمثليين في
برلين ثلاثينيات القرن الماضي، عشرات الأجساد تتعاطى المجون على أنغامِ
أغنيةٍ شديدةِ الحزنِ والعذوبةِ بلسانِ رجلٍ يُناجي شوارعَ المدينةِ وهل
سوف يظلّ في ذاكرتِها أم لا، يؤدّي الأغنية النجم مِك جاغر بقامته اليابسة
التي طالما فتنت معجبيه، ويلعب جاغر هنا دور جورج في نهار اليوم والمطربة
غرِتا في ليله.
ومن بين كل هذه الأجساد المُنتشية كان هناك ذلك الجسد
الأهم؛ جوهر الفيلم، وفكرته المضيئة، ومنحوتة صانِعَيْه، إنّه ماكس (الممثل البريطاني كلايف أُوِين)، الجسد الذي نراقبه وهو يتحول من رغبةٍ محض إلى
روحٍ لم تصل إلى مُبتغاها إلّا “بطلوعِ الروح”!.
ماكس شاب يهوديّ
مثليّ، نبذته عائلتُه الثريّة لخياراتِه الجنسيّة لكنّه لا يُبالي، يتفجّر
بكل ما يُملي عليه جسده دون حدود بينما تتوحش ألمانيا وهي تعدو في الحربِ
بأقصى ما لديها، يتنقّل ماكس من علاقة إلى أخرى حتى داس على اللغمِ/الجسدِ
الخطأ في الزمنِ الخطأ؛ علاقة مع الضابط وولف (نيكولا كوستر-والداو/ جَيمي
لانِستِر في “لعبة العروش”) تزامنًا مع “ليلة السكاكين الطويلة”، حين قرّر
هتلر التّخلصَ من بعض رجال حزبه بإعداماتٍ خارج القضاء، وكان وولف عشيقًا
سابقًا لأحد المناصب الرفيعة جدًا في الحزب، وقد وشى به جورج/غرِتا في
ليلةِ تهتّك برلينيّة، فسال دمُه سخيًّا بعد أن ذبحه رجالُ الـ”غشتابو” في
غرفةِ ماكس الذي فرّ هاربًا مع عشيقه الغيور رودي (براين ويبّر).
يتم
القبض على ماكس ورودي بعد مطاردة غير طويلة، وفي عربات القطار النازيّة
سيئة الصيت، يوضع ماكس أمام اختبارات مروّعة ليُثبت للنازيين أنّه ليس
“شاذًا”، وينجح في ذلك، في تلك اللحظة الشخصيّة الموحلة يتعرف ماكس على
هورست (الممثل الكندي لوتير بلوتو) ويُحشران سويًا في معسكر داخاو حيث
يختار ماكس يهوديّته بنجمة صفراء على ملابس المعتقل المخططة، تجنبًا لشارة
المثلث الورديّ التي خصصها النازيون للمثليين وهي “أقل ما يُمكن أن تحصل
عليه” حسب كلام هورست، وتبدأ مباراة خفيّة بين الثاني المعتزّ بميولِه
الجنسيّة التي لا تروق لأحد، والأوّل المستعد لفعل أي شيء لينجو من الموت.
يعني اسم الفيلم بالترجمة الحرفية الشيء المثني أو المنحني، وهو لفظ عاميّ يُستخدم في بعض دول أوروبا للدلالة على الرجل المثليّ، وله نفس الاستخدام
في بعض الدول العربية أيضًا.
رجال وأكثر من حرب
في الفيلم
إذن نوعان من الرجال؛ عالمان، أجساد في المتن وأخرى في الهامش، وحروب كثيرة إما أن تتسعَ لتشمل العالم أو تضيق فلا تخرج عن حدود الجلد.
فيلم
“مُنحرف” من الأفلام العديدة التي يخوض أبطالها حيواتهم في أجواء الحرب
العالمية الثانية التي سيظل العالمُ يُثرثر عنها كثيرًا، غير أنّه ينتحي
قليلًا عن باقي الأفلام في أكثر من ملمح.